شكاوى مزارعي القمح مستمرة.. الزراعة: الوضع جيد مقارنة بالظروف المناخية والاقتصادية
دمشق- زينب محسن سلوم
رغم التصريحات العديدة لوزارة الزراعة حول دعم مزارعي القمح وتأمين جميع مستلزمات الإنتاج بسعر مدعوم، والتعهد باستجرار محاصيلهم بالسعر الأنسب، هناك على المقلب الآخر شكاوىً عديدة حول معاناة الفلاح مع أسعار ليست مجزية (حسب تعبير الفلاحين)، وعزوف لدى البعض عن زراعة القمح والتحول نحو محاصيل أخرى سريعة الربح، إلا أنها ليست استراتيجية مثل الفستق أو الكمون وغيرها من المحاصيل الخفيفة، كما ذهب آخرون إلى نظرة تشاؤمية تهدد ارتباط الفلاح بأرضه نتيجة سياسات التسعير الحكومية، وبشكل يهدد الاستمرار في الزراعة لصالح التوجه نحو كارثة الاستيراد، فيما اشتكى البعض من عدم قدرتهم على تسليم الموسم بسبب ضعف سعره ورغبتهم ببيعه لجهات أخرى، أو ربما تهريبه.
معاون وزير الزراعة فايز المقداد أشار في تصريح لـ “البعث” إلى أنه لا بد للجميع، سواءً فلاحين أو خبراء زراعيين، الاطلاع الدقيق على الإجراءات التي تقوم بها وزارة الزراعة قبل إعطاء تلك الآراء السلبية، فالوزارة تنسق مع جميع الجهات المعنية وتبذل ما في وسعها لتأمين مستلزمات الإنتاج والمشتقات النفطية للقطاع الزراعي ضمن الظروف المتاحة، مؤكداً أن ما وصلنا إليه حالياً هو الأفضل ضمن الظروف الراهنة، فإنتاج القمح وتسليمه جاء نتيجة خطط وسياسات لها أسس عديدة، أهمها الموازنة المائية وميزان استعمالات الأراضي، وإمكانيات ونوعية تلك الأراضي، ووجود دورة زراعية، والاحتياجات للمحاصيل الثانوية، كما علينا التذكر بأن نصف مساحات القمح ما زالت تقع ضمن الأراضي المسيطر عليها من تنظيمات الإرهاب، التي تمنع دخول شاحنات القمح إلى مراكز التسويق، وبالتالي فإن السعر المناسب ليس هو المحدد الوحيد لتراجع الكميات المنتجة أو المسوقة لمؤسسة الحبوب، كما لفت إلى أن سياسات الخطة الزراعية تبنى أيضاً على عدد من القيود التي تتعلق بالموارد الطبيعية، فعند التخطيط يتم حساب الإنتاج الإجمالي بما فيه المناطق الخاضعة لسيطرة تلك التنظيمات، وضمن ظروف جوية عادية ليست سيئة أو خيّرة، وهي عوامل غير خاضعة للتحكم أو التنبؤ الدقيق.
وأوضح معاون الوزير أن الإنتاج المخطط للمناطق الآمنة كان 1,2 مليون طن من القمح، وللمساحات المروية (تشكل النصف تقريباً)، والبعلية على حدٍ سواء، أما الإنتاج المخطط الكلي مع المناطق خارج السيطرة فهو 3 مليون طن، وحسب الجولات التي قامت بها الوزارة تم تنفيذ نحو 90% من الزراعة لهذا الموسم، أما التسليم فهو مستمر حتى نهاية العام الحالي، حيث استلمت مؤسسة الحبوب أكثر من 600 ألف طن، في حين تبقّى نحو 30% من الكميات غير المسلمة، وسيتم بعد نهاية الشهر الجاري حساب نسبة ما تم تسليمه بشكل دقيق، مبيناً أن وجود انحراف 15-20% في الخطة ليس بالأمر السيء قياساً بالظروف الحالية، وقدرتنا على تأمين مستلزمات الإنتاج وصلت في السنوات الأخيرة إلى حالة من الاستقرار، وعوامل الطقس هي أكثر أمر يعيق تنفيذ الخطة، وحتى معدلات تسليم القمح ما زالت مستقرة منذ ما قبل الأزمة، فهي تتراوح بين 70 – 80% من الإنتاج المقدر، ولو تم تسليم الإنتاج على كامل الجغرافيا السورية لما اضطررنا للاستيراد.
واستطرد معاون الوزير: مع ذلك، فإن هناك تحسنا في التسليم، فعلى سبيل المثال كان من المقدر ووفق المساحات المزروعة في محافظة الحسكة وصول 35 ألف طن من القمح لكن ما وصلنا هو 100 ألف طن، وهذا يعني دخول القمح من مناطق خارج السيطرة إلى مراكز التسليم وهو أمر مبشر وجيد، أما بالنسبة لما يقال عن عزوف الفلاحين عن زراعة القمح في اللاذقية، فإن هذه المحافظة ليست من المناطق الأساسية لإنتاج القمح، أما في حلب فإن الظروف المناخية ما بعد شهر آذار كانت سيئة بسبب موجات الصقيع وما تلاها من ارتفاعات حرارية كبيرة جداً، أثرت على إنتاجية سنابل القمح بشكل كبير جداً يصل إلى 50%، ونعود للقول، إن تنفيذ الخطة كان جيداً في بقية لمحافظات رغم الظروف الجوية.
وحول موضوع التسعير، قال المقداد: هدفنا عدم خسارة الفلاح وتحقيق هامش ربح لا يمكن في جميع الحالات أن يقل عن 20-25%، بعد حساب جميع الظروف المناخية ونسبة تأمين المستلزمات المدعومة وتلك التي اشتراها الفلاحون من السوق بالسعر الحرّ، وتكاليف الري حسب نوعه وطرق الحصول عليه بهدف الوصول إلى تكلفة تم تثقيلها بكل العوامل للحصول على هامش الربح المذكور آنفاً، وفي الوقت نفسه بين المقداد أن سبب شكوى الفلاح هو عدم الحصول على نسب ربح كان يتوقعها تجاوز الـ50% مثلاً، أو عدم تناسب الربح مع متطلبات المعيشة المرتفعة، وهذا الكلام صحيح من وجهة النظر تلك.
وحول موضوع احتياجات السماد، أكد معاون الوزير أنه تم توفيرها بنسبة 100% لهذا الموسم من خلال تشغيل معمل السماد الذي أمن نحو 38 ألف طن من سماد اليوريا، أو لجهة تأمين بقية الكميات عبر الاستيراد والمقايضة دون استهلاك القطع الأجنبي، موضحاً أن معمل السماد لا يمكن تشغيله بشكل مستمر كونه يحتاج استقراراً تاماً في الشبكات الكهربائية دون حدوث أي (رفّة) وكمية غاز تصل إلى مليون متر مكعب يومياً.
وأكد معاون الوزير أن الوزارة تعمل على تغيير الخطط بما يناسب التغيرات المناخية أو التغييرات في الأسعار العالمية المفاجئة ومنذ عام 2021 ضمن خطة الوزارة حتى عام 2030، لكن ذلك يتطلب تغيير استراتيجي ولا يمكن تنفيذه في عام واحد، وعلى سبيل المثال برامج الزراعة الذكية والتحسين الوراثي لاستنباط صنف من القمح قادر على إعطاء إنتاجية عالية من القمح مع مقاومة عالية للظروف والجفاف يحتاج جهود وعمليات متعددة، وهو ما تقوم عليه الهيئة العامة للبحوث الزراعية بالتعاون مع “إيكاردا” و”أكساد”، كما أن الأزمات العالمية جعلتنا نغير بعض الاستراتيجيات للحفاظ على الأمن الغذائي الذي كان يعتمد على الإنتاج والتجارة لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، أما الآن فلا بد من التحول إلى الاعتماد على جميع الإمكانيات المتاحة.