في مواجهة جبهة غضب عارمة
ريا خوري
أياً كان من سيجلس على كرسي البيت الأبيض ويقود الولايات المتحدة، فإنَّ ذلك لا ينفي ما يحدث الآن من ظهور واقع جديد من الغضب الجماعي الأمريكي، حيث تعالت الأصوات لتغيير سياسة الولايات الأمريكية التي تكيل بمكيالين، وتحديداً في سياق ما يجري في قطاع غزة، فقد بدأ يتشكل داخل الولايات المتحدة الأمريكية تيار جديد له ثقل كبير يجمع في صفوفه عددا كبيرا من الشخصيات السياسية الأمريكية التي تدعو القيادة السياسية والعسكرية لإعادة النظر في استمرارية الانحياز للكيان الصهيوني الذي يمارس الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، من زاوية النظر إلى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من تكرار القول إنَّ ما يربطهما هو “علاقة تحالف استراتيجي”، وهو المصطلح الذي تبرر به كل رئاسة أمريكية انحيازها المطلق للكيان الصهيوني الغاصب. وأياً ما سيكون عليه موقف الرئيس القادم من هذه العلاقة، فإن تنامي هذا الاتجاه وهذا المسار الطويل، واتساع دائرة المنخرطين فيه، سوف يشكّل جبهة معارضة واسعة غير تقليدية لسياسات الانحياز للكيان.
لقد انبرى عدد كبير للحديث بشكلٍ عملي عن جوهر وحقيقة تلك العلاقة التي يصفونها بأنها علاقة ضعيفة، فقد قال المحلل السياسي أنتوني كوردسمان، وعضو مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن إنَّ “إسرائيل لها إستراتيجية خاصة بها وتنفرد بقراراتها، وبالتالي فإن التزامات الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها حسب مقولة التحالف الاستراتيجي ليس لها ما يبررها على الإطلاق، لأنَّ تصرفات حكومة “إسرائيل” لا تجيز وتبرر استمرارية هذا التحالف، ولا تبرر للولايات المتحدة الأمريكية تقديم الدعم لها، بينما تتبع حكوماتها سياسات فاشلة جداً تجاه تحقيق السلام مع جيرانها العرب”.
لقد تناوبت الصيحات وتعالت من عدد كبير من المحللين السياسيين ومن كبار موظفي مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية الذين أكّدوا مراراً إن أهداف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية قد أعاقتها جرائم الكيان الصهيوني ونهجه وسلوكه، وتصرفاته الخاطئة، وهذا يدلُّ دلالة واضحة على أنَّ مفهوم أو عقيدة التحالف الاستراتيجي بين الكيان والولايات المتحدة أصبح في وضع شديد التعقيد، والجميع لا يرى أيّة علامة تشير إلى أن الكيان يتصرف بناءً على ما هو مطلوب منه كطرف في التحالف، كما أنّ هذا العالم الذي بات واسعاً أكثر من أي وقتٍ مضى قد طرأت عليه تغييرات كثيرة أساسية منذ استخدام تعبير التحالف الاستراتيجي مع الكيان.
وهكذا فقد اتسعت دائرة الانتقاد حتى بلغ الحديث عن أنّه إذا استمر تأييد الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بلا شروط، فإن الولايات المتحدة هي التي ستدفع الثمن، بخاصة وأنَّ تأثير الولايات المتحدة على قرارات الكيان قد تضاءل بأكثر مما كان متوقعاً، على الرغم من أنهم في الكيان الصهيوني يعتمدون على الولايات المتحدة في حماية كيانهم، فالعلاقة بين الكيان والولايات المتحدة الأمريكية بُنيت على فكرةٍ عامّة وغامضة بأن الكيان هو رصيد استراتيجي أساسي للولايات المتحدة، لكن هذه الفكرة تزداد الآن ضعفاً مع زيادة التحليلات والآراء التي أصبحت تتفق على أن الكيان الصهيوني صار أكثر “انفراداً” بقراراته في السياسة الخارجية. والسؤال المثير للتساؤل والجدل والدهشة هذه الأيام هو: هل الكيان يعتبر في الحقيقة رصيداً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية؟