دراساتصحيفة البعث

الاتحاد الأوروبي شريك في الإبادة الجماعية الإسرائيلية

عناية ناصر

استنكرت الهيئات الدولية، الأمم المتحدة، واليونيسيف، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية تصرفات “إسرائيل” الوحشية في غزة، ودعت إلى اتخاذ إجراءات ضدها، وهذا يجعل فشل الاتحاد الأوروبي في التصرف، واتخاذ إجراءات ضد الفظائع الإسرائيلية غير مبرر.

على الرغم من  أن حصيلة الضحايا الرسمية في غزة 40 ألفاً ، إلا أن عدد الوفيات الحقيقية قد تكون أعلى، مع الأخذ في الاعتبار جثث الضحايا غير المسترجعة والوفيات غير المباشرة (أولئك الذين ماتوا بسبب ظروف الحرب) والتي يمكن أن تكون أعلى من الوفيات المباشرة بثلاث إلى 15 مرة.

وفي هذا السياق أفادت دراسة أجرتها مجلة ” لانسيت” البريطانية الدورية في 19 حزيران 2024، أن “إسرائيل” استهدفت بشكل مباشر 37396 مدنياً منذ 7 تشرين الأول 2023، وقدرت أن الوفيات غير المباشرة قد تزيد عن 186000، مما يجعل الحد الأدنى 4 وفيات غير مباشرة لكل حالة وفاة مباشرة.

ووفقاً لتقديرات سابقة لـمجلة ” لانسيت”، استهدفت “إسرائيل” حوالي 8٪ من سكان غزة قبل الحرب، وهي نسبة قريبة مما يمكن التوصل إليه باستخدام المعدل اليومي البالغ 250 فلسطينياً مباشراً، والذي عبرت عنه منظمة “أوكسفام” خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، مما جعل حرب غزة أعنف صراع في القرن الحادي والعشرين.

إن حصيلة الضحايا الرسمية في غزة أقل من المعلن عنها، بسبب عجز السلطات المتزايد عن الوصول إلى معظم المناطق وانتشال الجثث.  على سبيل المثال، تم العثور على أكثر من 300 جثة في 30 تموز 2024، عندما انسحبت قوات الكيان من خان يونس بعد أسبوع واحد فقط من العملية . وبالتالي، لا يزال هناك المزيد من الجثث تحت الأنقاض، أو في مقابر جماعية في المناطق التي يعمل فيها جيش الكيان، وهذا ما يمكن تفسيره في العثور على مقبرة جماعية في مستشفى غزة في 23 نيسان 2024.

لقد استشهد حوالي 10٪ من سكان غزة على يد “إسرائيل”، بتسهيل من الاتحاد الأوروبي في 8 أشهر، ونزح أكثر من مليوني شخص ويواجهون المجاعة والأزمة الصحية.  ومع ذلك، لم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على “إسرائيل”، أو يمنع عبور المعدات العسكرية الأمريكية، لكنه يواصل توفير الأسلحة والاستثمارات لـ “إسرائيل”.

لقد تجاهل الاتحاد الأوروبي إشارات من الهيئات الدولية، التي ذُكرت سابقاً، بعدم مواصلة مساعدة “إسرائيل، حيث أعلن المتحدث باسم اليونيسف في جنيف بسويسرا في 31 تشرين الأول 2023، أن غزة أصبحت مقبرة للأطفال، حيث استشهد 3450 طفلاً. و قبل ذلك بوقت قصير، وصلت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، إلى” إسرائيل” وتعهدت بدعم” إسرائيل”، والموافقة على تصرفات جيش الكيان الإسرائيلي في غزة.  لاحقاً، في تموز 2024، استهدف جيش الكيان الإسرائيلي 13000 طفلاً في غزة، مما يعني أن الاتحاد الأوروبي تجاهل مخاوف اليونيسف، ولكن تم تنفيذ اقتراح فون دير لاين، حتى ضد تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في آذار 2024 بأن “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية.

وعلى نحو مماثل، أصدرت محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية أحكاماً تأمر الأولى “إسرائيل” بوقف الممارسات التي تشكل إبادة جماعية، والأخيرة وقف ارتكاب جرائم حرب في غزة . ومع ذلك، رفض الاتحاد الأوروبي الذي يفرض عقوبات على أطراف في صراعات أخرى حتى بدون موافقة الأمم المتحدة، اتخاذ تدابير مماثلة لوقف الإبادة الجماعية، وبدلاً من ذلك يواصل شراكته في الجريمة الإسرائيلية.

الاتحاد الأوروبي يعاقب الآخرين فقط

لقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أطراف في صراعات أخرى جارية، على سبيل المثال، ضد الحكومة السودانية و ضد روسيا، لكنه لم يتحرك ضد “إسرائيل”، والتفسير لتقاعسه هو أنه كان شريكاً لـ “إسرائيل” قبل وبعد عملية طوفان الأقصى. كما كشف مؤتمر سفراء الاتحاد الأوروبي لعام 2023 عن ازدواجية أوروبا حيث تتظاهر بدعم حل للقضية الفلسطينية،  بينما تسهل  في الوقت نفسه على “إسرائيل” القضاء على الفلسطينيين. ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي سوف يدعم السياسة التي أدت إلى الوضع الراهن غير المرغوب فيه، من أجل تحقيق فوائد أيديولوجية واقتصادية.

الاتحاد الأوروبي يضع اقتصاده فوق حياة الفلسطينيين

لقد تكثفت شراكة الاتحاد الأوروبي في الجرائم الإسرائيلية بعد السابع من تشرين الأول، وفي هذا الخصوص  يلخص مقال للباحث مارك أكيرمان نُشر في معهد “ترانزيشينال انستيتيوت” للأبحاث في حزيران 2024  ما توصل إليه بقوله: “لقد تبنى الاتحاد الأوروبي وإسرائيل موقفاً -العمل كالمعتاد- طوال فترة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، مع استمرار الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء في توفير الغطاء السياسي والدعم المادي”. يشير مصطلح “العمل كالمعتاد” إلى تورط الاتحاد الأوروبي الطويل الأمد في الأنشطة الإسرائيلية قبل وبعد السابع من تشرين الأول، وهو النوع الذي كشف عنه بوريل كما ذكر سابقاً، حيث واصل الاتحاد الأوروبي الموافقة على مشاريع تصنيع الذخيرة بالاشتراك مع “إسرائيل”، واستثمر مئات الملايين من اليورو، بعد السابع من تشرين الأول 2023، مما يعني أن بعض منتجات وعائدات هذه المشاريع تُستخدم في الإبادة الجماعية المستمرة. بالإضافة إلى ذلك، تواصل شركات تصنيع الأسلحة الكبرى في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك شركة “راينميتال” الألمانية وشركة “نامو” النرويجية، توفير قذائف الدبابات والذخائر المتفجرة للتحصينات على التوالي باستخدام أموال من الاتحاد الأوروبي . بالإضافة إلى ذلك، وافق الاتحاد الأوروبي على 130 مشروعاً للتعاون البحثي مع” إسرائيل” بتكلفة 126 مليون يورو، للعمل مع شركات إسرائيلية بما في ذلك صناعة الطيران الإسرائيلية التي تعمل مع جيش الكيان المحتل في مهام الاستطلاع والقصف في غزة.  كما قام بتمويل الجامعات الإسرائيلية التي تنتج التقنيات التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي قصف جامعة غزة تحت ذريعة أنها ساعدت المقاومة الفلسطينية  بالتقنيات، مما أظهر النفاق المحض.

وبالمثل، شاركت مؤسسات تعليمية أخرى داخل الاتحاد الأوروبي بما في ذلك جامعة مدينة دبلن في أيرلندا مع جيش الكيان الإسرائيلي في “لعبة الحرب” في المراقبة لاستنباط نتائج سيتم استخدامها في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.  ولو كان أي طرف يساعد الفلسطينيين بطريقة مماثلة لما يفعله الاتحاد الأوروبي لـ”إسرائيل”، فسوف يواجه تلقائياً عقوبات من الاتحاد الأوروبي، ويتم تشويه صورته من قبل وسائل الإعلام الرئيسية الغربية.

ربما تتغير الظروف العالمية، ويحاسب الاتحاد الأوروبي على دوره في دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية.