أفلام طلاب المعهد السينمائي.. نتائج مبشرة وتحديات كثيرة أوّلها التّمويل
أمينة عباس
تؤكد الأفلام التي قدّمها طلاب السنة الثالثة في المعهد العالي للسينما -قسم الإخراج بما تميّزت به على صعيد الشكل والمضمون- أهمية إحداث هذا المعهد الذي يهدف إلى تخريج المتخصصين بالفنون السينمائية، إذ برهن طلابه من خلال ما أنجزوه وتابعه الحضور، مؤخراً، في دار الأسد للثقافة والفنون على أهمية الدراسة الأكاديمية في معهد عالٍ لأصحاب المواهب الحقيقية الذين عبّروا عبر هذه الأفلام -بتنوعها واختلاف مستوياتها- عن إمكانياتهم بانتظار ما سيقدمونه العام القادم الذي سيشهد تخريجهم كأول دفعة في المعهد.
تقول الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة: “تأسس المعهد العالي للسينما منذ ثلاث سنوات، والإمكانيات التي وضِعت لنجاحه ليست بقليلة، وقد جاءت النتيجة التي شاهدناها متميزة جداً، وأتمنى النجاح لكوادره الذين يعملون بهمّة وإخلاص، وأشكر جهودهم وهم يخصّصون حيزاً مهماً من وقتهم للتدريس وتأهيل الكوادر وهي اللبنة الأولى لصناعة سينما متميزة”، وحول عدم قيام وزارة الثقافة بتمويل هذه الأفلام توضّح: “إلى جانب أن إنتاج عدد كبير من الأفلام للطلاب مكلف جداً فإن مهمة وزارة الثقافة التأهيل، والبحث عن التمويل هو جزء من تأهيل وتدريب الطلاب على التواصل مع الممولين، وهي مهارة يجب أن يمتلكوها وأولى الخطوات التي عليهم أن يخوضوا غمارها لتقديم أعمالهم”.
ويرى باسل الخطيب عميد المعهد العالي للفنون السينمائية والمشرف على الأفلام أن ثمة تحديات كثيرة واجهها طلاب المعهد في تنفيذ مشاريعهم السينمائية: “التحدي الأكبر هو أن يجدوا تمويلاً لأفلامهم، وهو تحدّ صعب، لكنهم نجحوا في تحقيق نتائج إيجابية عبر أفلام لا تشبه بعضها، فكان كل فيلم يعبّر عن شخصية مخرجه وقدرته على تقديم ما يريده للجمهور بعد أن قدم له المعهد المعارف الأكاديمية والخبرات العملية الممكنة”.
ويؤكد كلام مخرج فيلم “المعاش” عبد اللطيف كنعان ما تمّ ذكره سابقاً عن موضوع تمويل الأفلام: “كانت مرحلة البحث عن التمويل هي الأصعب لأن المعهد غير معنيّ بالتمويل، والطالب هو المسؤول عن ذلك، فكانت الأفلام كلها من إنتاجات خاصة للطلاب”، ويضيف: “كنتُ حريصاً على أن يكون الفيلم ضمن مستوى ما درستُه في المعهد خلال السنوات الثلاث، وكان يجب عليّ إظهار كم تطورتُ من السنة الأولى للسنة الثالثة من أجل أن أقدم نفسي من خلاله وضمن شروط لها علاقة بمدة الفيلم من ٧ إلى ١٠ دقائق”.
تضمنت المشاريع التي قدمها الطلاب تجربة خاصة تمثلت بفيلم من إخراج جماعي لهم حمل عنوان “البرتقالة” حاكى بعضَ أفلام المخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد تحية لروحه وهو الذي كان له أثر عظيم على الطلاب، ويؤكد باسل الخطيب أن جميع الطلاب تعاونوا في إنجازه، ولم يكن ليكتمل لولا اهتمام ودعم ديانا كمال الدين الأستاذة في المعهد والمنتجة ومؤلفة السيناريو التي تقول: “فيلم برتقالة هو أول مشروع جماعي في المعهد العالي للفنون السينمائية، اشترك في تنفيذه طلاب السنة الثالثة من قسم الإخراج، بحيث يكون تجربة عملية تحاكي مراحل إنتاج الفيلم السينمائي منذ مرحلة الكتابة حتى مرحلة عرضه على الجمهور، وكان الهدف الأساسي خوض تجربة جماعية عملية، حيث تمّ تقسيم الطلاب إلى فرق عمل: فريق الإخراج، فريق الإنتاج، فريق العمليات الفنية، وقمنا أثناء مرحلة التحضير بتفريغ النص وحساب التكلفة التقديرية للإنتاج، ثم قمنا باستطلاع مواقع التصوير، وتنظيم كل ما يلزم لمرحلة التصوير التي تمت خلال يومين فقط”.
وككاتبة لسيناريو الفيلم تبيّن كمال الدين قائلة: “كانت وفاة المُخرج الكبير والإنسان المبدع عبد اللطيف عبد الحميد خسارة كبيرة للسينما السورية ولكل محبّ للسينما، ففكّرنا بعد وفاته مباشرة بإنجاز فيلم قصير نتمكن من خلاله عن التعبير عمّا تركته أفلامه في ذاكرتنا ومخيّلاتنا ووعينا عن السينما وعن الحياة بكل ما فيها من سعادة وحزن، وما شجّعني على محاكاة أفلام تعدّ من أجمل الأفلام السورية هو أنّ مُخرجها هو نفسه كاتبها، ففي كل قصة من أفلامه كان هناك جزء من روحه كإنسان والشخصيّات بتفاصيلها والصراع بتعقيداته والعالم الذي يخلقه والمواضيع التي تطرح ببساطة قضايا إنسانية مؤلمة ومعقدة والأسلوب الذي يمزج الضحكة مع الدمعة مع خفقة القلب، وكان التحدّي الكبير هو كيف يُمكن أن أجتزئ من تجربة إنسانية وفنية بهذه الضخامة والأهمية، فاخترتُ الأفلام الثلاثة الأحب إليّ وهي: “رسائل شفهية، ليالي ابن آوى، نسيم الروح”، ومزجتُ في شخصيتين فقط ما هو مشترك بين الشخصيّات الرئيسية في هذه الأفلام الثلاثة في معاناتها في الحب ومواجهة الواقع الصعب والتعلق بالأرض، مع الحفاظ على الروابط التي تمّكَّن عبد اللطيف من حفرها في ذاكرة المُشاهد ومن الرسائل الشفهيّة بين الشخصيتين إلى سلك الهاتف الموصول بالأرض إلى صوت القطار الذي يهدّد بالتغيير وأصوات بنات آوى التي تضجّ بمخاوفنا الداخلية إلى البرتقال الذي يربطنا بالأرض والأمل والحب، وأظن أننا نحتاج إلى الكثير من الأفلام لنبوح ببعض ما تركته سينماه في ذاكرتنا وقلوبنا”، وتستطرد قائلة: “انطلقنا من التفكير بشكل جماعي في محتوى الفيلم، وقضينا ساعات ونحن نتبادل الأفكار والآراء، فنتفق ونختلف ونتعارض، ولم نتوّصل إلى رؤية مشتركة يتوافق عليها الجميع، والسبب هو أنّ كل طالب هو مُخرج، وكل مُخرج هو قائد لا يقبل بالتبعية للآخرين، ولكن ما ساعد في إنجاز المهمّة تعاون الطلاب وقبولهم بتنفيذ مهام مختلفة في مراحل إنتاج الفيلم للوصول إلى نتيجة نهائية مقبولة والتعلّم من التجربة ككل”.
وعلى الرغم من أنّ جميع طلاب الدفعة تعاونوا مع بعضهم لإنجاز المهمّة والمُنتَج النهائي استوفى الشروط الفنيّة المقبولة -حسب ديانا كمال الدين- إلا أنها تقول: “لا أعدّ التجربة ناجحة على الصعيد الشخصي بين الطلاب، فنحن في قسم الإخراج نتعامل مع أفراد لكل منهم خصوصيّته ورؤيته وطريقته في التفكير، وليس مع مجموعة متساوية ومتشابهة يُمكنها التعاون لإنجاز عمل فني واحد، فكل مُخرج هو قائد وأب لمشروعه الفني، وليس هناك مكان للتشاركية في أبوّة فيلم سينمائي، والمشكلة الحقيقية تكمن في عدم توافر الإمكانيات الإنتاجية للطلاب لكي يتمكن كل طالب من إخراج فيلمه الخاص، فصناعة الفيلم السينمائي مهما كان قصيراً هي صناعة مُكلفة جداً، وهذا يضعنا أمام مشكلة حقيقية هي عدم تكافؤ الفرص الإنتاجية للطلاب، فهناك من هو قادر على تأمين المبلغ اللازم لإنتاج فيلم جيد، وهناك من هو غير قادر حتى على استئجار المعدّات اللازمة لتصوير يوم واحد، لذلك يجب إيجاد حلّ لمشكلة توافر الفرص الإنتاجية، بحيث نقوم بالإشراف على مشروع كل طالب بشكل منفرد ليتمكن هو من خلاله من إخراج النص ضمن رؤيته كمُخرج مستقل، ومع هذا أرى أن التجربة كانت ضرورية لإظهار المشكلات والمعوّقات التي يعانيها طلاب الدفعة، وعلى الرغم من أن كل التفرّد الذي يتمتعون به فقد تمكنوا من التعاون من أجل مشروع مشترك، فلهم كلّ الشكر والتقدير والمحبة، والشكر موصول للأساتذة وسيم مغربل ورعد خلف وللأستاذ باسل الخطيب عميد المعهد الذين بذلوا كل الجهد في سبيل إنجاز هذه المهمّة الجماعية، وبالطبع سنعمل جميعاً في سبيل إيجاد الحلول وتذليل الصعاب من أجل صناعة أفلام على سوية عالية من الجودة تليق بعرض التخرج لأول دفعة من المعهد في العام المقبل”.
وبين ما هو تعليمي وما يتطلبه إنجاز أي فيلم يحقق المتعة والفائدة معاً، ولمن كانت الغلبة على أرض الواقع حين إنجاز “برتقالة”، توضح كمال الدين: “لا يتعارض الجزء التعليمي من المشروع مع إنجاز فيلم ممتع وله رسالة، فالمراحل التي تمرّ بها العملية الإنتاجية واحدة لجميع الأفلام، لكنّ النتيجة النهائية تعتمد على النص وأسلوب الإخراج والمونتاج، ومع توافر هذه الملكات بين الطلاب والتعاون مع أساتذة المعهد يصبح من السهل تحقيق التوافق بين الغاية التعليمية وجودة المُنتج النهائي”.
ويرى الطالب سليمان الجافي وهو أحد الطلاب الذين شاركوا في إخراج فيلم “البرتقالة”: “الفيلم تجربة أكاديمية للعمل الجماعي لكل طلاب السنة الثالثة لكونها ستكون أول دفعة يقوم المعهد بتخرجيها ترجمت على أرض الواقع بعد اكتساب المعلومات النظرية”.
يُذكر أن الأفلام قُدّمت على مدار يومين، وتتمّ حالياً إعادة عرضها في أكاديمية شيراز بحضور مخرجيها لإتاحة الفرص لمشاهدتها من قبل أكبر عدد ممكن من الجمهور.