دراساتصحيفة البعث

شركات التكنولوجيا الكبرى متواطئة بالإبادة الجماعية في غزة

سمر سامي السمارة

نشرت “مجلة 972” بالتعاون مع موقع “لوكال كول” تحقيقاً مشتركاً، تمّ الكشف فيه عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقدّمها شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة من أجل المشاركة المباشرة والتعاون في حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال على غزة.

وبحسب التحقيق فإن جيش الاحتلال يستخدم خوادم “أمازون ويب” لتخزين البيانات، وتصنيف المعلومات المستقاة من المراقبة الجماعية في غزة وفرزها، حيث أسفر القصف والغزو البري منذ قرابة الـ10 أشهر عن استشهاد وإصابة وفقدان أكثر من 140 ألف فلسطيني.

كما ذكر التحقيق أن التعاون بين جيش الاحتلال وخدمة “أمازون ويب” وثيق للغاية، وقد ساعد في كثير من الأوقات في تأكيد غارات الاغتيال الجوي في غزة، التي أدّت إلى استشهاد وإصابة المدنيين الفلسطينيين.

وفي إشارة إلى الخدمات التي تقدّمها شركات التكنولوجيا الكبرى، قالت العقيد، وقائد مركز الحوسبة وأنظمة المعلومات في جيش الاحتلال الإسرائيلي راشيلي ديمبينسكي: إن الميزة “الأكثر أهمية” التي توفرها شركات الخدمات السحابية هي القدرات المتقدّمة في الذكاء الاصطناعي، مضيفة أن العمل مع شركات التكنولوجيا هذه وفر للقوات الإسرائيلية “فعالية عملياتية مهمّة للغاية” في محو قطاع غزة.

في العام الماضي، نشر تحقيق على الموقعين نفسهما، أظهر فيه مدى استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي لانتقاء الأهداف، ما يخلق في الأساس ما سمّاه ضابط إسرائيلي سابق “مصنعاً للاغتيالات الجماعية”.

وفي نيسان الماضي، كشفت الصحافة الاسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يمتلك نظام ذكاء اصطناعي لم يسبق الكشف عنه، والذي حلّ محل “الوكالة البشرية والدقة” بـ”إنشاء الأهداف الجماعية والقتل”. ففي بداية الحرب، استندت الكثير من الهجمات الإسرائيلية في غزة إلى توصيات برنامج يسمّى “لافندر”، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، كان هذا النظام يعمل على تحليل المعلومات عن معظم سكان غزة، ويجمع قائمة بالمشتبه بهم، بما في ذلك الصغار للقيام باغتيالهم.

في عام 2021، وقّعت “إسرائيل” عقداً بقيمة 1.2 مليار دولار مع “أمازون وغوغل” لمشروع “نيمبوس”، الذي يوفر خدمات سحابية للحكومة والجيش الإسرائيليين، ما جعل العاملين في التكنولوجيا الساخطين، وعشرات مجموعات المناصرة يثورون ضد تواطؤ شركات التكنولوجيا الكبرى في جرائم حقوق الإنسان الإسرائيلية في فلسطين، مؤكدين ضرورة استخدام التكنولوجيا لجمع الناس معاً، وليس تمكين الفصل العنصري والتطهير العرقي.

وفي وقت سابق من هذا العام، طردت “غوغل” -التي كانت مدرجة لفترة وجيزة كراعٍ لحدث تكنولوجيا المعلومات لجيش الاحتلال الإسرائيلي- 50 موظفاً للاحتجاج على مشروع “نيمبوس”.

يرى مراقبون أن تواطؤ شركات التكنولوجيا الكبرى مع الكيان الصهيوني في انتهاكاته لحقوق الإنسان، يخضع اليوم لقدر أكبر من التدقيق، حيث تخضع “إسرائيل” للمحاكمة بتهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، ويسعى المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت.

في الشهر الماضي، حكمت محكمة العدل الدولية في قضية منفصلة بأن احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة هو شكل غير قانوني من أشكال الفصل العنصري الذي يجب أن ينتهي على الفور.

غير أن الكثير من النشطاء لاحظوا أن “غوغل” تنتهك مبادئ الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والتي تتعهد بأن الشركة “لن تصمّم أو تنشر الذكاء الاصطناعي في التقنيات التي تسبب ضرراً عاماً.. الأسلحة أو التقنيات الأخرى التي يكون الغرض الرئيسي منها أو تنفيذها هو التسبّب بإصابة الناس أو تسهيل ذلك بشكل مباشر.. التقنيات التي تجمع أو تستخدم المعلومات للمراقبة التي تنتهك المعايير المقبولة دولياً… [أو] التقنيات التي يتعارض غرضها مع المبادئ المقبولة على نطاق واسع للقانون الدولي وحقوق الإنسان”.

وأشار آخرون إلى افتقار “غوغل وأمازون” للشفافية المتعلقة باستخدام أنظمتهما، حيث قال الخبير في مجال الحقوق الرقمية في “هيومن رايتس ووتش” زاك كامبل: “لم تكشف أيّ من الشركتين علناً عن الالتزام بالعناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان التي قامت بها قبل المشاركة في مشروع “نيمبوس”، إن وجدت، ولم يذكروا أي خطوط حمراء، إن وجدت، فيما يتعلق بالاستخدام المسموح به لتكنولوجيتهم”.

وفي السياق، قال طارق كيني شوا، زميل السياسة الأمريكية في مؤسّسة الشبكة الفلسطينية للأبحاث: إنه في حين هناك دائماً الكثير من التركيز على المساعدة العسكرية المباشرة التي تقدّمها الولايات المتحدة “لإسرائيل” من ذخائر وطائرات مقاتلة وقنابل، إلا أن الاهتمام أقل بكثير بهذه الشراكات التي تمتد إلى البيئات المدنية والعسكرية، مؤكداً أنه أكثر من مجرد تواطؤ: إنه مشاركة مباشرة وتعاون مع جيش الاحتلال بشأن الأدوات التي يستخدمونها لقتل الفلسطينيين.