تأخير الردّ جزء من الردّ
بشار محي الدين المحمد
لم يحدث الردّ من محور المقاومة على استهداف الكيان الصهيوني لقادة في المحور كما خطط نتنياهو، الساعي لخلط الأوراق ورسم “نجاح” أمام شارعه الذي فقد الثقة به، بعد حصاده الفشل تلو الآخر في تحقيق أي من مفردات كلمة “نصر” التي سعى لإنجازها، ولو بدماء الأبرياء من أبناء الشعب العربي الفلسطيني على مدار أكثر من عشرة أشهر من عدوانه عليه.
كما يتوالى إخلاء مزيد من المستوطنات من مستوطنيها، ويعمّ الخراب والدمار شمال الكيان الذي تحول إلى مستوطنات أشباح تدكها المقاومة اللبنانية منذ بدء العدوان، مع مخاوف مستفحلة من تحول غلاف الضفة الغربية في طولكرم إلى ما يشبه غلاف غزة الذي عصف به “طوفان الأقصى”، ناهيك عن تزايد الانقسام، وحدّة المعارضة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة الفاشلة التي مُنيت حتى الآن – وفق تصريحاتها – بخسارة نحو 10 آلاف جندي بين قتيل وجريح، بالتوازي مع عجز جيش حربهم عن حسم – أو على الأقل تهدئة – أي جبهة ترشق الكيان بصواريخها ومسيراتها وعملياتها حتى اللحظة.
يأتي ذلك كله وسط هروب للأجانب والسياح، وتوقف الطيران من وإلى الكيان، فضلاً عن شلل في الحركة الاقتصادية والصناعية والتجارية لمستوطنين لم يخفف النوم في الملاجئ، ومتزعمين لم يخفف الاختباء في التحصينات، من ذعرهم ومعنوياتهم الصفرية إبان صراع أقحموا أنفسهم به بلا أدنى حسابات لتغيرات موازين القوى في المنطقة، فيما يوالي إعلام العدو رسم سيناريوهات متعدّدة قلقة وشديدة الخطورة بشأن الردّ المنتظر.
وتتزايد فجوة تخبط القرار بين نتنياهو وأجهزته الاستخبارية غير الراضية عن استمرار هذه المهازل التي يخوضها في سبيل تحقيق أمجاد شخصية لم تجنِ سوى الاستنزاف، والتوجه نحو الخسارة الإستراتيجية بدلاً من “غسل العار”، وسط تشكل حالة من القناعة بفقدان الكيان أهم أركانه وحارس أحلامه، وهو “الردع” الذي حدده بن غوريون في نظريته لتحقيق ما أسماه “الأمن القومي الإسرائيلي”.
لم يجعل تأخير الرد الكيان يهنأ و يشعر بالأمان، ولا سيما أن المقاومة أكدت صراحةً أن “تأخير الردّ هو جزء من الردّ”، وما يزال الهلع يشكل سمة للكيان المتعلل بـ “مفاوضات 15 آب” التي لا تشبه سوى “طبخة من البحص”، طالما أنها لا تصب إلا في مصلحة جيش الكيان الراغب في التقاط أنفاسه ومتابعة سيناريو القتل والمجازر.
وليس هناك من “أمل” لـ”نتنياهو” سوى الاتكال على الغرب السائر خلف الإدارة الأمريكية، والراغب في الحفاظ على مصالحه في المنطقة عبر استمرار دعمه لهذا الكيان المتهاوي، لكن في الوقت نفسه فإن الأسطول الأمريكي الذي هرع إلى مياه المنطقة ما زال أيضاً يستذكر هزائم فيتنام، وخسارته مئات الجنود في غضون ساعة عام 1983 عندما اجتاح لبنان، وغيرها من الهزائم والجبهات التي هزم فيها، ناهيك عن خوفه من أي انزلاق قد يحول ما يحدث في المنطقة إلى حرب مفتوحة لا يريدها، فهل يتعظ الأمريكي وأداته من دروس التاريخ والحاضر، أم سيغامر؟