صحيفة البعثمحليات

ترويض التضخم!!

غسان فطوم

من الآخر، ودون مقدّمات، سيكون ملف تخفيض معدل التضخم وإعادة القدرة الشرائية لليرة التي تعيش على “المنفسة” بعد أن خسرت أكثر من 100% من قيمتها، هو المهمّة الأولى التي ستواجهها الحكومة الجديدة عبر فريقها الاقتصادي، وهي بلا شكّ مهمّة لن تكون سهلة، بل معقّدة لكنها غير مستحيلة عندما نختار بشكل صحيح من سيتصدّى لتبديد هذا الهاجس المخيف بعد أن وصلت أرقام التضخم إلى حدّ لا يمكن الوقوف حياله مكتوفي الأيدي، ولا يقبل أبداً إعادة اجترار إجراءات قاصرة ساهمت في زيادة معدلات الفقر والبطالة، وأعاقت تمويل وتنفيذ المشاريع التنموية!

وباعتراف وزير الاقتصاد في الحكومة الحالية أثناء ورشة عمل حوارية في هيئة الاستثمار السورية “فإن من غير الطبيعي ومن غير المنطقي أن نستمر بالرؤى نفسها التي أنتجت بعض السياسات غير المجدية”، فحال اقتصادنا وصل إلى حافة الهلاك، بعد أن أنهكه الركود في العديد من القطاعات، وبات الفقراء وحدهم من ذوي الدخل المحدود هم من يدفعون الثمن، فلا مدخرات لديهم ولا رواتب وأجور قادرة على الصمود في وجه سهام أسعار الطاقة والخدمات والسلع الغذائية الأساسية التي “نطت” إلى أرقام قياسية، والسؤال هنا: أي سياسة مالية ستتبع الحكومة لترويض التضخم وحماية هؤلاء الفقراء؟!.

قولاً واحداً نحتاج إلى “تغيير في الفكر السياساتي” على مختلف الصعد، انطلاقاً من معطيات الظروف الاقتصادية الحالية بعيداً عن التجميل والتلوين، ولعلّ التنسيق المبنيّ على أسس مجدية بين السياستين النقدية والمالية، لمحاصرة هبوط سعر الصرف وضبط قائمة المستورادات، يمثل “الطقة” الأولى في مفتاح السيطرة عبر اتخاذ إجراءات فورية وإستراتيجية تعيد التوازن والانتعاش للاقتصاد، فعدم التنسيق سابقاً خلق فجوة كبيرة بين مستوى الرواتب والأجور الضئيلة والأسعار النارية!

ومن الإجراءات الأولوية، أيضاً، العمل الجديّ على دعم الإنتاج في قطاعات الزراعة والصناعة التي لم ينوبها خلال الـ 13 عاماً الماضية سوى دعم محدود جداً لم يشعر به المستهدفون، ما تسبّب في إقفال الكثير من المعامل والمصانع، وحتى الورشات الصناعية الصغيرة، وهجرة آلاف الفلاحين والمزارعين لأراضيهم، وخاصة مزارعي المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشوندر السكري والقطن وغيرها!

والخطوة الأخرى التي نحتاجها هي اعتماد سياسة استثمارية متنوعة ومحفزة وجاذبة للمستثمرين من داخل البلد وخارجه، كون البيئة الاستثمارية الحالية طاردة، رغم ما يُحكى عن مزايا تشجيعية طرأت على قانون الاستثمار بحلّته الجديدة!

بالمختصر، الحديث عن قائمة الإجراءات “المنقذة” يطول وسط تحديات كبيرة تطوّق اقتصادنا، لكن يبقى الأهم هو المكاشفة، وليس الاختباء، فقد آن الأوان أن نمزّق عباءة الكلام، والتعلّم من أخطاء الماضي القريب والبعيد، والانطلاق إلى العمل الحقيقي المبرمج والمخطّط بأسلوب إداري رشيق يعتمد حلولاً خارج الصندوق، وحبذا لو يتمّ التسويق للحلول والإجراءات عبر خلية إعلامية اقتصادية تتفاعل مع المختصين من أهل الكار من خارج الفريق الاقتصادي، فهناك الكثير من أصحاب الكفاءات والخبرات يمكن الاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم، وليس من الحكمة تهميشهم، فهم بمثابة منجم حقيقي للحلول التي يمكن أن تساعد في تحقيق النمو الاقتصادي، وتحديد هوية مناسبة لاقتصادنا التائه وإخراجه من بئر التضخم بعد أن سجّل أسوأ المعدلات عالمياً!