صفقة أسلحة على حساب السلام
عناية ناصر
يظهر القرار الأمريكي الأخير بالموافقة على بيع أسلحة بقيمة 20 مليار دولار أمريكي لـ”إسرائيل”، والذي أعلنت عنه وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً، أن الولايات المتحدة تواصل تأجيج الصراع في الشرق الأوسط، الذي هو بأمسّ الحاجة إلى خفض التصعيد في الأعمال العدائية والجهود الرامية إلى بناء السلام والاستقرار.
وستتضمن مبيعات الأسلحة الجديدة عشرات الطائرات المقاتلة والصواريخ جو- جو المتقدمة، وهو ما يؤكد، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، التزام الولايات المتحدة بأمن “إسرائيل”.
إن هذا التحرك الأمريكي هو بمثابة صبّ الزيت على لهيب الهجوم الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة، كما أن التأثير غير المباشر لهذا العدوان يجرّ المنطقة إلى دوامة العنف، إضافة إلى أن تحيّز الولايات المتحدة والدعم القوي الذي قدّمته لـ”إسرائيل”، والذي سهّل لها تحويل غزة إلى جحيم حيّ لملايين الفلسطينيين، أمر همجي للغاية.
من الواضح أن واشنطن مهتمة بمتابعة أجندتها الخاصة في الشرق الأوسط عبر وكلائها أكثر من اهتمامها بإخماد نيران العداوات والعمل على تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، ولذلك فإن خيانة حق شعوب المنطقة في العيش بسلام، وحقهم في التنمية لن يؤدي إلا إلى تعميق الدين السياسي والأخلاقي للولايات المتحدة تجاه شعوب الشرق الأوسط.
من هنا تكشف الصفقة عن تعنّت الولايات المتحدة في مواصلة محاباتها وتحيّزها لـ”إسرائيل” لتزيد من وحشية الجرائم التي ترتكبها في غزة، حيث تشير آخر الإحصائيات من الجانب الفلسطيني إلى أن عدد الضحايا الفلسطينيين في الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة ارتفع إلى ما يقرب من 40 ألف شهيد.
لقد خلقت حرب “إسرائيل” المستمرة في غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة، ورغم ذلك ظلّت الولايات المتحدة تتبنى موقفاً أحادي الجانب في الصراع، فبدلاً من الانضمام إلى المجتمع الدولي لإيجاد الحل، كانت متمسّكة بتوفير الأسلحة لحليفتها الرئيسية، حتى في حين كانت تتظاهر بدعوة “إسرائيل” إلى ممارسة ضبط النفس والعمل كوسيط في محادثات السلام.
لقد أثار سلوك الولايات المتحدة غير المسؤول وغير الأخلاقي مخاوف وانتقادات جدية بين المجتمع الدولي، ومع تزايد التصعيد في المنطقة بالكامل والخوف من اندلاع حرب أوسع وتفاقم التوتر بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران الشهر الماضي، فمن المرجح أن تؤدي أية خطوة خاطئة إلى دفع الوضع إلى نقطة الانهيار.
رفضت إيران مؤخراً دعوة زعماء المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا لحثها على الامتناع عن القيام بأي هجمات انتقامية من شأنها أن تزيد من تصعيد التوترات الإقليمية، وردّت بأنها مصمّمة على الدفاع عن سيادتها، ولا تطلب الإذن من أي كان لممارسة حقوقها المشروعة، ولكن هؤلاء الزعماء الأوروبيين لم يعربوا عن الإلحاح نفسه في مطالبة الولايات المتحدة بالتوقف عن تمكين “إسرائيل” من ارتكاب أعمالها العدوانية، وإذا استمر الغرب بقيادة الولايات المتحدة في التمسّك بانحيازه في الشرق الأوسط واستمر في تقويض جهود الآخرين لحل الصراع، فسوف يتعرّض المزيد من الناس لمخاطر حرب أوسع نطاقاً.
إن ما تحتاجه غزة هدنة وليس أسلحة، ومثلها مثل أغلب أعضاء المجتمع الدولي الذين يرغبون في رؤية نهاية للصراع، تظلّ الصين حازمة في الدعوة إلى وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط ووقف العقاب الجماعي لشعب غزة.
لقد حان الوقت لكي تتوقف الولايات المتحدة عن تأجيج الصراع في الشرق الأوسط، وتتعاون مع تلك البلدان التي تحاول التوسط في وقف إطلاق النار في غزة، والعمل على جلب السلام والاستقرار الدائمين إلى منطقة عانت من الحروب والعداوات لفترة طويلة.