مع التطور التكنولوجي.. هل استحوذت الكتب الإلكترونية على مكتبة القرّاء؟
ليندا تلي
في ظلّ التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة، بات اعتماد غالبية القرّاء على الكتب الإلكترونية، على الرغم من شغفهم بقراءة الكتب الورقية، لتبرز جملة من الأسئلة، أوّلها: هل تُعدّ الرواية المنشورة رقمياً أدباً؟ تجيب الروائية فاتن ديركي: “علينا الاعتراف بالرواية الرّقمية، مع العلم أنّه ليس كلّ رواية منشورة رقمياً تُعدّ أدباً رقمياً، إذ يمكن عدّها نوعاً جديداً مستقلاً عن الأدب بمعناه المتداول المعروف، وتالياً يجب وضع الرواية الرقمية في إطار خاص بها ينسجم مع التقنيات الجديدة والذكاء الاصطناعي المستخدم فيها الذي أصبح قادراً على تقديم نصّ مُستقل من دون تدخّل بشري”، وهذا –برأي ديركي- يؤكّد أنّ هذه النصوص لا تعتمد على الإبداع بل على إعادة إنتاج النصوص المخزّنة في ذاكرتها، وبالتالي يبقى الإبداع الإنساني هو الأساس والمحرّك الذي يؤدي إلى تطور واستمرار الذكاء الاصطناعي.
في حين رأى الناقد عمر جمعة “أنّه في ظلّ الثورة الرقمية التي شهدتها الفنون والآداب مع حلول الألفية الجديدة يمكن عدّ هذه الفنون والآداب حتى لو كانت إلكترونية، منتجاً حضارياً معتمداً يعبّر بشكل أو بآخر عن تاريخ أمة أو شعب، فما بالنا بالرواية التي تحوّلت اليوم إلى ديوان العرب بعد انحسار الشعر لأسباب ذاتية وموضوعية”.
أمّا السّؤال الثاني الذي لا بدّ من طرحه فهو: ما هي أسباب الإقبال على الكتب الإلكترونية؟ وترجع ديركي ذلك إلى الأزمة الاقتصادية وصعوبة شراء الكتب لارتفاع ثمنها الذي يخضع لغلاء الورق، ما أدّى إلى الاعتماد على الكتاب الإلكتروني الذي يسهل الوصول إليه على مواقع الشبكة العنكبوتية، وتالياً تكاد تحلّ تلك الكتب محلّ الورقية مع كلّ أسف، كما أنّ سرعة وتيرة الحياة فرضت هذا النوع من الكتب التي تختصر الوقت والمشقّة والتكلفة في الطباعة، في حين أجمل جمعة أسباب الإقبال على مراجعة واقتناء الكتب الإلكترونية بضرورة مواكبة القارئ المهتمّ لكلّ التطوّرات التقنية الوافدة التي باتت سمة العصر برمّته، لذلك يمكن الاعتراف بأنّ الرواية الإلكترونية احتلّت إلى حدّ بعيد مساحة واسعة من مكتبة القرّاء العرب على اختلاف توجّهاتهم وذائقتهم الأدبية وطريقة تلقّيهم للعمل الروائي.
هل تأثّرت الرواية الإلكترونية بالتكنولوجيا؟ سؤال آخر نطرحه، وتجيب عليه ديركي بالقول: “لا يمكن أن تتأثّر الرواية المكتوبة بالتكنولوجيا، لأنّها في الواقع عُصارة الفكر البشري الإنساني المرتبط بالمشاعر والأحاسيس التي تتوالد باستمرار البشرية وتتأثّر بالظروف والأحداث الحياتية والاجتماعية، ولا بدّ لها أن تجد طريقها عبر الكتاب الورقي الذي يبقى أثره ويدوم عبر الزمن والتاريخ، إذ إنّ الرواية المكتوبة تعيش وتضرب جذورها في الرّوح كما الأشجار في الأرض، أمّا الرقمية والإلكترونية فتخضع لأنظمة الفضاء الأزرق غير الثابت، ويمكن لها أن تُمحى بكبسة زر.
في حين أكّد جمعة أنّ الرواية تأثرت بالتكنولوجيا وأنّها باتت أكثر انتشاراً كحلّ بديل لتوزيع الكتاب على أوسع نطاق جغرافي من المنطقة والعالم، مضيفاً: “لقد حقّقت بعض الكتب الإلكترونية، ولاسيما الروايات حضوراً على الشبكة الإلكترونية وبات القارئ يبحث عنها على المواقع والمكتبات الإلكترونية، وخاصّة تلك التي تطرح إشكاليات جديدة وربّما تتمرّد على السائد والمألوف في الأطروحات والموضوعات والأشكال الفنية للرّواية العربية، حتى المؤلف أو الكاتب تحرّر من الألف نسخة أو حتى الآلاف التي كانت تطبعها دُور النشر على نطاق ضيّق لا يلبّي الحاجة المعرفية لجمهور القرّاء، ويحول دون وصول الكتّاب أو الرواية إلى أوسع الشرائح، إذ باتت تُقتنى بملايين النسخ لسهولة تحميلها وقراءتها على الشبكة الإلكترونية، لكن ملمس الورق بالنسبة إلى القارئ الكلاسيكي سيكون العامل المغري والمرجّح في طغيان الذهاب باتجاه الرواية المكتوبة المطبوعة، بينما الجيل المتأخر من القرّاء سيفضّل الرواية الإلكترونية لسهولة تحميلها على الحاسب أو حتّى على الهاتف الجوّال والتي يمكن قراءتها في أيّ زمان أو مكان، مفضّلاًً الرواية الورقية المطبوعة لكونه يمكن وضع بعض الحواشي والملاحظات لمراجعتها فيما بعد إذا رغبنا بقراءتها مرّة أخرى.
وبالحديث عن العلاقة بين الكاتب والقارئ، تقول ديركي إنّ علاقة الكاتب أوثق ما تكون بالكتاب الورقي، فهي علاقة روحية قبل كلّ شيء تعزّز الدفء في قلب الكاتب وتجعله يتماهى مع الورق بشكل كبير، وهذا ما لا يجده في الكتاب الإلكتروني الجاف البعيد عن قلبه وروحه، فالورقي يعني بالنسبة إليه الأثر الذي يحمل هويته وبصمته ومشاعره وأفكاره ويخلّد أعماله وكتبه، أمّا جمعة فيرى أنّ العلاقة بين القارئ والكاتب تحدّدها جودة النص المكتوب وطبيعة موضوعه التي تستدعي الجرأة والمغامرة أحياناً، وليس الوسيلة التي يقدّم بها الكاتب نفسه للقارئ، فكم من رواية مكتوبة مطبوعة ربّما لا نستطيع متابعة أكثر من عشرين صفحة منها لرداءة الأسلوب ورتابة السرد والانشداد نحو موضوعات بعيدة عن اهتمام القارئ، بينما هناك روايات إلكترونية تشدّنا منذ سطورها الأولى لجرأة الموضوع أو رشاقة الأسلوب، وهنا عاد للتأكيد أن أسلوب الكاتب في عرض موضوعه وأفكاره هو من يحدّد هل القارئ سوف يستسيغ هذا العمل أو ينفر منه.
طبعاً لا ننسى هنا الذكاء الاصطناعي وقدرته على تحويل النصوص المكتوبة إلى نصوص مسموعة، وبشكل يشبه الإنتاج البشري، وهو أمر يُقلق العاملين في مجال قراءة الكتب لمصلحة منصّات الكتب المسموعة، وخاصّة بعد ظهور آلاف الكتب الصوتية عبر العالم، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وهنا لا بدّ من أن نذكر بعض الدراسات التي تؤكد أنّ الكتب المطبوعة في الصدارة في بعض الدّول، إذ توصّلت دراسة قامت بها كلية الأعمال والاقتصاد بجامعة ماكويري بأستراليا على عيّنة من ألف كاتب وناشر إلى أنّ نصيب الكتب المطبوعة يأتي في الصدارة بنسبة 45% بالمقارنة بـ35% للكتب الرقمية أو الإلكترونية، كما أنّ نسبة الكتب الصوتية أو المسموعة في ازدياد.