دراساتصحيفة البعث

الوحدة الوطنية  الفلسطينية وبيان بكين 

د خلف المفتاح

هل يمثل إعلان بكين عودة للتوافق الفلسطيني أم أن النظرة النمطية لاتفاقيات سابقة وعديدة بين القوى الفلسطينية تحولت إلى حبر على ورق، ولم يلتزم بها أحد لازالت تحكم مثل هكذا إعلانات تصدر عن لقاءات بين الفضائل الفلسطينية والسلطة في غزة.

لعل هذه النظرة السلبية هي التي تفسر عدم صدور أية بيانات أو مواقف متفائلة بعد ذلك اللقاء الذي كانت بكين الداعية والحاضنة له سيما وأن الصين الشعبية باتت لاعباً أساسياً في المشهد الدولي ومنخرطة أكثر في القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة شعوراً منها بمسؤولياتها الدولية، وثقل حجمها ونفوذها السياسي ومصالحها الإستراتيجية في منطقة  للشرق الأوسط،  وتبنيها لمشروع اقتصادي وثقافي ضخم تحت مسمى “الحزام والطريق” يمر في جانب كبير منها في المنطقة العربية، ومن خلالها إلى أوروبا وإفريقيا، ما يجعل للصين مصلحة حقيقية في استقرار منطقة الشرق الأوسط من خلال حل القضية الفلسطينية، وما يرتبط بها من تداعيات على مستوى المنطقة والعالم.

وبالعودة لإعلان بكين فهو إعلان يعكس رغبات الشعب الفلسطيني وأصدقاؤه وحلفاؤه لجهة أنه يعتبر ضرورة وحاجة تقتضيها حالة الصراع مع العدو الصهيوني، وما جرى ويجري في غزة والساحة الفلسطينية، وعلى مستوى عناصر الصراع بأبعاده العربية والدولية، وحالة التعاطف مع القضية الفلسطينية بعد معركة طوفان الأقصى، سيما وإن وحدة مواقف تلك القوى لا يمكن أن يحصل دون ارتكاز إلى قاعدة وحدة الصف الفلسطيني أساس الصراع، ونواته وجذره، وعلى أساس من المصلحة الوطنية الفلسطينية المتمثلة في استعادة حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة، وقياد الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وقيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية تقوم على مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد  للشعب الفلسطيني، ووحدة القوى الفلسطينية المناضلة في إطار مرجعي واحد.

إن الحديث عن اليوم التالي للحرب يجب أن يكون حديثاً  وموقفاً فلسطينياً، وليس إسرائيلياً، ويتمثل في تشكيل حكومة وفاق وطني تتمثل فيها المقاومة والسلطة والمجتمع المدني الفلسطيني قادرة على إدارة غزة لا تترك للإسرائيلي المحتل أية حجة للبقاء في غزة بعد ما أحدث خراب ودمار وإجرام في ظل حديث عن رغبة إسرائيلية في إدارة لمعبر رفح وفيلادلفيا من طرف تحدده هي، فالحاجة لحكومة وحدة وطنية فلسطينية وليست فصائلية ولا مستنسخة عن السلطة الحالية في الضفة وتكون مرجعيتها السياسية هي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي تم تهميشها خلال العقود الماضية، ما ألحق ضرراً جسيماً بالقضية  الفلسطينية على المستوى الدولي، وساهم في تكريس واقع الثنائيات الضفة وغزة، واستثمارها من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على قاعدة (العدو الضرورة) على قاعدة أنه لا يوجد جسم فلسطيني موحد ومنسجم في الأهداف للتفاوض معه وصولاً للحل، وهي ذريعة كاذبة تعكس موقفاً إسرائيلياً يتمثل في رفض فكرة قيام دولة فلسطينية تحت أي عدوان، وهو ما تكشف خلال الأشهر الماضية بعد معركة طوفان الأقصى، وتشكل موقف دولي يؤكد على حتمية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ليتحقق الاستقرار في المنطقة، وتنفذ قرارات الشرعية الدولية ولاسيما القرارات 181 و 194 والقرارين 242 و338 وكل ما تعلق بالصراع العربي الصهيوني، حيث صدر رداً على تلك المواقف قرار من الكنيست الإسرائيلي برفض قيام دولة فلسطينية، ما يؤكد المواقف الحقيقية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمتمثلة في رفض فكرة قيام الدولة الفلسطينية، بل وإنكار وجود شعب فلسطيني، لأن في ذلك إسقاط للفكرة الصهيونية القائمة على أزعومة وأكذوبة الحركة الصهيونية بالقول أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

إن إعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة التوافق على الثوابت الفلسطينية، ووضع خريطة طريق واضحة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في بكين هو المدخل الصحيح والسليم للوصول إلى الأهداف التي ابتغاها المجتمعون في بكين، وتكريس قناعة وصورة جديدة وثقة بهكذا اتفاقات، وتغيير الصورة النمطية السلبية المتشكلة عن اتفاقات سابقة بين ذات الفصائل والقوى التي لم يتم الالتزام بها أو احترامها، ما يبرز الحاجة لدور صيني فاعل ومتابع لذلك مع دائرة دعم عربية وإقليمية لإنجاحه، سيما وأن ثمة قوى إقليمية ودولية وازنة ستعمل على عرقلة ذلك، ووضع العصي في العجلات لكي تبقى تستثمر وتستغل الوضع المتمثل في عدم وجود وحدة وطنية فلسطينية على المستوى السياسي، ما يفسح المجال للكيان الصهيوني باستمرار احتلاله وتهويده للأراضي الفلسطينية، وتنكره لحقوق الشعب الفلسطيني على قاعدة عدم وجود مرجعية موحدة للشعب الفلسطيني يمكن التفاوض معها وصولاً للحل.

من هنا تأتي أهمية تفويت تلك الذريعة الكاذبة للعدو، والانطلاق من مرجعية واحدة وصوت واحد يمثل إرادة الشعب الفلسطيني الذي وحدته البندقية المقاتلة، ووحدة الدم قبل أي شيء آخر.