الإبادة في غزة.. هل هناك حاجة إلى المزيد من الأرقام؟
هيفاء علي
لا يهتم الغرب بحياة الإنسان في فلسطين المحتلة، لأن ما يهمهم هو محو شعب غزة والشعب الفلسطيني بأكمله، فالسفن الحربية الأمريكية تبحر قبالة سواحل إيران ولبنان وغزة في أقصى نقطة من السخرية، وإنكار كافة القيم الإنسانية.
هناك الوحش الكبير، الولايات المتحدة، وهناك وحشها الصغير الذي أنجبته وأعطته أموالاً بمليارات الدولارات، والكثير من الأسلحة، الأحدث والأفظع والأكثر تدميراً، ضد الشعب الأعزل. أطعمته لحماً بشرياً لعقود من الزمن، ومن وقت لآخر تطلق سراحه ثم تشتكي من تجاوزاته.
اليوم هو الذروة، ولا شيء يوقف القتل، فهو يظهر، ويعرض، ويبرر، بل وأحياناً يكون مرغوباً، ويشجع، ويحظى بالإعجاب، ولا يطرح أي مشكلة أخلاقية في الغرب، ولا على إعلامه الذي يسيل لعابه الدموي. وفي غزة، ترتكب “إسرائيل” المجازر الشنيعة يومياً على مرأى ومسمع من الجميع، الذين يرون صوراً لرجال ونساء وشباب وأطفال بلحم ممزق وأجساد مفككة، وجوههم في كثير من الأحيان كما لو كانت ممزقة بفم شرس وحشي، أطفال بلا أذرع، بلا أرجل، مبتوري الأطراف مدى الحياة. هذه الصور يراها الجميع، وهي تطارد الجميع، ولكن إذا كان العالم كله قد رآهم، فكيف يمكن أن يستمر كل هذا؟
منذ بدء العدوان الوحشي على غزة، بلغ عدد الشهداء 49.897 شهيداً، دُفنت جثث 39.897، وفقد 10.000، منهم 16.456 طفلاً، و11.088 امرأة، ومات 36 بسبب الجوع. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك حاجة إلى المزيد من الأرقام حتى يتمكن العالم من إدراك حقيقة الوحشين اللذين يواجهان الفلسطينيين بشكل أفضل؟
لقد استهدفت قوات الاحتلال 885 عاملاً من الفرق الطبية، و79 من أفراد الحماية المدنية، وأعدمت 110 أكاديميين وأساتذة جامعيين وباحثين، واستهدفت 168 صحفياً. وقامت “إسرائيل” بإنشاء 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات، وقد تم انتشال منها 520 شهيداً.
يعيش 17000 طفل فاقدين لأحد الوالدين أو كليهما، ويواجه 3500 شخص خطر الموت بسبب سوء التغذية أو نقص الغذاء. 10 آلاف مريض بالسرطان ينتظرون الموت، و60 ألف امرأة حامل بلا مساعدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك 1,737,524 شخصاً مصاباً بالأمراض المعدية بسبب النزوح، وتم تدمير 700 بئر مياه، بشكل منهجي، وتم تدمير 121 مدرسة وجامعة جزئياً أو كلياً، كما تم تدمير 610 مساجد، و3 كنائس، و206 مواقع أثرية، و530 ألف منزل، و34 مستشفى خارج الخدمة، وما زال العدد مرشح للازدياد بسبب استمرار الوحوش في القتل دون أي محاولة جادة لإيقافها، بل تقدم الولايات المتحدة المزيد من القنابل للقتل في الوقت الذي تتحدث فيه عن وقف إطلاق النار. ومن ناحية أخرى، يتواصل الاحتفال بالنجاحات الدبلوماسية في مجلس الأمن، فإلى متى ستظل هناك شكاوى وأنين دبلوماسي؟ ومتى سيتم اتخاذ إجراءات ملموسة ضد “إسرائيل”، وضد أولئك الذين يقومون بتغطية جرائمها ودعمها غير المشروط واللا محدود؟
ولكن مهما بلغت درجة إجرامهم، ومهما حاولوا أن يجعلوا الفلسطينيين يفقدون كل كرامتهم ويمشون جائعين، وعطشى رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، و يعيشون نزوحاً دائماً في الخراب، وفي رائحة الموت، فلن يستسلموا بل سيرفعون رؤوسهم مستعدين للموت، فهذه هي قوتهم التي لا تقهر، ولن يتمكن الأميركيون والإسرائيليون أبداً من انتزاع ذلك منهم، إنها سلاحهم الوحيد: حياتهم، وإيمانهم.
وفي الوقت الذي أقيمت في اليابان، مراسم إحياء ذكرى محرقة هيروشيما وناغازاكي، لم تدع اليابان “إسرائيل” إلى هذا الحفل، ونتيجة لذلك قاطعت الولايات المتحدة الحفل، واصطحبت معها دولاً غربية، فهل سبق لها أن قاطعت “إسرائيل” بسبب جريمة واحدة من جرائمها الجماعية التي لم تتوقف منذ أكثر من سبعين عاماً؟
الولايات المتحدة ترفع صوتها ضد اليابان احتجاجاً على غياب “إسرائيل” عن الاحتفال بأعظم مذبحة في التاريخ ارتكبت في لحظة واحدة، في هيروشيما وناغازاكي، وعلى يد من؟ على يد الولايات المتحدة نفسها، علماً أنه في غزة تقدر كمية القنابل الأمريكية التي ألقيت على السكان بـ 82 ألف طن، أي ما يعادل القنبلة الذرية.