بعد سبعة أعوام من انطلاقه.. هل أثّر “مائة كاتب وكاتب” في المشهد الثقافي؟
حسن يوسف فخور
سبعة كتب منشورة، آلاف القصائد المنظومة والمنثورة، مئات الشباب كسرت رهبة المسرح بعشرات الفعاليات الثقافية خلال سبعة أعوامٍ من النشاط الأدبي للفريق الشبابي “مائة كاتب وكاتب”، كان لا بدَّ من الوقوف عند تجربته للبحث في أثرها على الساحة الثقافية.
نجاح أي تجربةٍ مرهون بنتائجها، فالطريق إلى الجحيم محفوفٌ بالنوايا الطيبة على رأي الكاتب الإنكليزي “صمويل جونسون”، والبحث في نجاح أي مشروعٍ ثقافي لا يقوم على استمرارية فعالياته وتنوع نشاطاته الثقافية، بل بالقيمة التي يضيفها للوسط الثقافي، وعن ذلك يدافع مؤسس الفريق الشاعر الشاب جود الدمشقي، ويقول إنّ توحيد جهود الشباب نحو هدفٍ قيّم وخدمات إنسانية تطوعية من دون مقابل مادي هو قيمةٌ نبيلة يقدمها فريقه، بالإضافة إلى اكتشافهم مواهبَ حقيقية، ودعمها بالوقوف على المنبر، ونشر نصوصها الأدبية في كتبٍ مشتركة، مؤكّداً قوة حضورهم في المشهد الثقافي السوري، انطلاقاً من الأثر الذي يرفعه الفريق كشعارٍ له، فلا توجد محافظة أو مؤسسة لم تسمع باسم الفريق أو تتعامل معه، ووفق روايته؛ فإنّ أي تعاونٍ مع أي جهةٍ كانت يثمر دائماً عن تعاونٍ آخر، وحصد فريق المائة درع الفريق المميز من اتحاد كتاب العرب، وجائزتين فرديتين حصدهما جود إحداهما من “مؤسسة القدس”، والأخرى من “مؤسسة مبدعون من أجل الوطن”.
الأديب إنسانٌ فطريٌ بطبيعته، تُخلق موهبته معه، ويصقلها بالاطلاع والثقافة والتجريب، لكنّ مشروع جود طوال الأعوام الماضية أصرّ أن يرفع صوته عالياً، مؤكداً قدرتهم على صناعة الأديب شاعراً كان أم كاتباً، وفي محاولةٍ لمقاربة الصواب اعتذر عن التصريح بعدد الشباب الذين خرجوا من تجربتهم يتقنون بحور الشِعر وعلم العَروض، متجاوزين قواعد النحو والصرف؛ مبرراً ذلك بأنه من الظلم إعطاء عدد محدد، فالشاعر الحقيقي من منظوره قد يختلف عن منظور شخصٍ آخر، كذلك الكاتب، أما من حيث تعلم البلاغة والإملاء والعَروض فيؤكّد جود أنَّ الفريق لم يبخل بأي معلومةٍ تخص المجالات سابقة الذكر على المتطوعين، ويرى أنّ الأعداد الكبيرة المنضمة للفريق ليست عائقاً أمام تنمية مشروعه الثقافي، وتطوير أدواتهم، بل هي دليلٌ واضح على أنّ هذا الجيل يمتلك الجهود التي تحتاج حاضنةً توجهه نحو الهدف، ومن وجهة نظره؛ فإن كثرة الأعداد تساعده في توحيد تلك الجهود وتوزيع المهمات؛ ما يساهم في تحقيق أهداف المشروع بأسرع وقت وأكثر دقة، بالإضافة إلى خلق روح المنافسة بين الأعضاء، الأمر الذي يسهّل اندماج الشباب بروحٍ معنويةٍ، وضمن برامجَ مدروسة.
ويحاول جود حسب تعبيره الابتعاد عن النمطية المعتادة من خلال طرح الخطط المبتكرة التي حصرها بتقسيم الفريق إلى مجموعات إدارية؛ القسم الأدبي، والفني، والتنموي، بالإضافة إلى إقامة دورات بمجالات متنوعة بدأت بالأدب العربي واستمرت بمجال الإعلام والسيناريو والإدارة، مؤمناً بأنّ الفن والموهبة وجهان لعملةٍ واحدة، متنكراً لفكرة أن تعدد التخصصات الفنية قد يشتت الفريق ويضعف جهوده، معداً أن الفنون على اختلافها تنتهي بهدفٍ سامٍ، ويعزز القيم الجمعية من خلال مسابقة اختيار القائد المئوي الأفضل التي تتيح التنافس بين الأعضاء للوصول إلى الهدف المنشود “الأثر”، إلى جانب الندوات الثقافية التي ناقشت مواضيع وقضايا مختلفة عن جيل الشباب، والانتماءات الوطنية والاجتماعية والإنسانية، لكن عدم وجود مركز يمكن تحويله إلى صالون أدبي حالَ دون استمرارها.
ويؤمن جود بضرورة التجديد بمختلف الأقسام، لكون الأجيال المتعاقبة تحمل شيئاً مختلفاً؛ ما يضخ الدم بشكلٍ مستمر داخل هذا الجسد الثقافي، منوهاً بأنّ غياب أصدقائه المؤسسين ليس نتيجة خلافاتٍ شخصيةٍ، أو ضعف في العقلية الإدارية، بل نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي أشغلتهم عن فكرة التطوع، واضطرتهم للابتعاد عن نشاطات الفريق، مؤكداً استمرارية حضورهم عند الحاجة، ونتيجةً للجهود التي يبذلها جود مع فريقه يرى أنَّ الفريق مستقبلاً سيصل إلى العالمية.
وترى الشاعرة صبا بعّاج هذه التجربة مهمة على الصعيد الجمعي والاجتماعي، لكونها جمعت الكثير من الشباب تحت راية الأدب، وإن لم يتحقق الهدف المرجو من التجربة، لكن الفريق كان صلة وصلٍ بين المحافظات ومواهبها الشابة، أما على صعيد الأدب ترفض بعّاج قول إنّ الفريق أثرى الوسط الثقافي لأن تجربته في هذا المضمار ما تزال تقتصر على تقديم المواهب الأدبية للمنابر الثقافية، والتي كان منها الصقيل وينقصها فرصة الظهور والانتشار، معترضةً على مقولة “نحن نصنع كاتباً”، فالكاتب باعتقادها ليس آلةً أو شيئاً مادياً يُمكِن صناعته، بل ملَكةً إبداعيةً، والملَكة تأتي من الله فقط، ثم يصقلها التعلم، مبررةً أن الأخطاء في بدايات الفريق تعود لصغر السن، لكن تكرارها مرفوض بعد سنوات التجارب والخبرات المُكتسبة، محذرةً إياهم من أن تأخذهم همروجة الوقوف على المنبر ودعم الجهات الثقافية وضخامة العدد، فالكم لا يعني أبداً النوع، والشهرة ليست بالضرورة مفتاح النجاح، هذا “إن كانوا يريدون الاستمرارية لا الانطفاء!”.
ويشهد الأديب عبد الله نفاخ على أنّ هذه التجربة كانت فعالةً في إدخال فئةٍ لا بأس من الموهوبين الذين لم تتيسر لهم المنابر إلى الأوساط الثقافية، لكنّها وفق رؤيته تحتاج إلى تنظيم أكبر وانتقاء للفئات المشاركة، ويرى أنه من الطبيعي حصول بعض الخلل لكون القائمين على المشروع في سنٍ غضةٍ نسبياً، والإثراء لم يكن للوسط الثقافي قدر ما كان لأولئك الشبان الذين صقلوا مواهبهم، واندمجوا في المجتمعات الثقافية.
ومن موقعه كرئيسٍ لاتحاد الكتّاب العرب، يقرأ الدكتور محمد حوراني تجربة “مائة كاتب وكاتب”، مؤكّداً أنه من أوائل الفرق الثقافية الشبابية في سورية، ترعرع في ظل الحرب الإرهابية التي عصفت ببلدنا، واستطاع استقطاب عددٍ كبيرٍ من الشباب في دمشق وغيرها، وامتاز بعض أعضاء الفريق بمستوى جيد من الإبداع والكتابة، وغلبت النرجسية والادعاء على قسم منهم، ومهما يكن من أمر فقد شكّلت هذه الظاهرة حراكاً إيجابياً في المشهد الثقافي السوري، وإذا كان البعض يصنفها على أنّها ظاهرةٌ صوتيةٌ تريد الكتابة بعيداً عن القراءة، يراها حوراني ظاهرةً تستحق العناية والاهتمام بها والأخذ بيدها، مؤكّداً وقوف اتحاد الكتّاب مع الفريق ودعمه منذ بداياته الأولى، ومشيراً إلى ضرورة إشراف ورقابة الاتحاد على الملتقيات التي يمنحها تراخيص الإشهار من قبل أصحاب الاختصاص؛ لكي لا تبتعد عن الغاية التي أُطلِقتْ من أجلها.