“المجلس”.. خطوة الأربعاء وما بعدها
أحمد حسن
كما هو معتاد في كل زمان ومكان، فإن إنجاز الاستحقاقات المحليّة في مواعيدها الدستورية يمزج بين “قولين” متداخلين ومتشابكين، ومع ذلك فإنه يمكن لنا، مع قليل من التبسيط المخلّ – وكل تبسيط مخلّ بالضرورة – أن نفرّق بينهما من حيث الجهة المرسلة إليهما، وهي هنا “الخارج” بالنسبة للقول الأول، و”الداخل” بالنسبة للثاني.
وبالطبع فإن انتخابات الخامس عشر من الشهر الماضي لمجلس الشعب في دورته التشريعية الجديدة لا تشذّ عما سبق، وبالتالي إذا كنّا في سورية قد أنجزنا – بإعلان نتائج الانتخابات ثم بمرسوم دعوة المجلس الجديد للاجتماع ومباشرة أعماله – “القول” الأول، ومفاده تجديد الرهان على الدولة بمؤسساتها المختلفة، كما على الأجندة الدستورية بمواعيدها المحددّة، وآلياتها الإجرائية، في وجه كل من راهن على إسقاط الدولة، كياناً ومقاماً ودوراً، فإننا – وتحديداً أعضاء المجلس العتيد – من الآن وصاعداً أمام استحقاق إنجاز وإعلان “القول” الثاني، والذي لا يقلّ أهمية عن سابقه، بسبب أنه موجّه نحو الداخل السوري، ومفاده احترام بنود “عقد التكليف” الضمني والعلني بين الناخب والمنتخب، فإذا كان الأول قد قام بما عليه، وهو فعل ذلك بنجاح تام، فإن الدور الآن على الثاني كي يقوم بما يترتب عليه أخلاقياً ودستورياً قبل أي شيء آخر.
بهذا المعنى فإن المهمة الأولى لأعضاء المجلس الجديد تتمثل بمواجهة التحدي المزمن المتمثّل في الاتهام الدائم بعدم الفعالية والنظرة السلبية العامة للمواطن العادي اتجاه المجلس، وهي نظرة يتحمل الجزء الأكبر فيها أعضاء المجلس ذاتهم الذين يعتقد أغلبهم أن علاقته بالناخب تنتهي يوم عبوره عتبة المجلس، وبعضهم يوم اختياره على قوائم الوحدة الوطنية باعتباره ناجحا حكماً، وبالتالي فإن تغيير هذه النظرة مرتبط بالمجلس وأعضائه، وذلك ممكن إذا شعر المواطن أن تحسين وضعه – وتحديداً المعيشي في هذه الظروف القاسية – هدف أول، ودائم، على أجندتهم، وهو هدف لا يحتاج فقط إلى تشريعات توجّه الموارد إلى المطارح الإنتاجية الحقيقية فعلياً فقط، بل يحتاج أيضاً إلى إغلاق مسارب الهدر، وذلك لا يتمّ إلا بتفعيل مهمة “إصلاح المؤسسات الرقابية. وتعزيز دور الرقابة على عمل المؤسسات”، لمواجهة تغوّل طبقة الفاسدين التي لا يملك بعضها سوى مشروع النهب الدائم لا التنمية المستدامة.
والأمر، فإن ما سبق يجعل من المشروع، والملحّ، طرح أسئلة شتّى عن قدرة المرشحين، ورغبتهم في “تشريع” هذه البنى وترسيخها، وذلك يتطلب، بدوره، أسئلة أخرى عن مؤهلاتهم لذلك، أي النظر في بنيتهم السياسية وانحيازاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وعدتهم النظرية والعملية والأخلاقية الكفيلة بذلك، ليس بهدف “التشهير”، بل بهدف المعالجة الاستباقية، فمثلاً ما الذي يمنع من ربط أعضاء المجلس جميعاً، وكل حسب اللجنة التي سينضم إليها، بخبراء “استشاريين” مشهود لهم في مجال عملهم، وحتى بمراكز دراسات وبحوث مختصة؟ وما الذي يمنع من “إلزامهم” معنوياً على الأقل، سواءً من رئاسة المجلس، أو من الأحزاب التي أوصلتهم إلى “تحت القبة”، بالتواصل المستمر والدوري مع المواطنين والإدارات المحلية في دوائرهم الانتخابية الصغرى؟ وبالتأكيد دون الإخلال بمبدأ تمثيل عضو المجلس الشعب بأكمله، وما الذي يمنع رئاسة المجلس، أو من تكلفه بذلك، بتقديم تقرير دوري بنهاية كل “دورة” تشريعية مثلاً عن نشاط كل عضو من الأعضاء، وعن دوره سواءً في التشريع (حق اقتراح القوانين)، أو المساءلة (حق توجيه الأسئلة والاستجوابات للوزارة أو أحد الوزراء وفقاً لأحكام النظام الداخلي للمجلس)، أو في التواصل، الجسدي، مع المواطنين ونقل همومهم وأسئلتهم إلى السلطة التنفيذية عبر قنوات المجلس المعروفة والمشروعة؟
يوم الأربعاء القادم يبدأ المجلس خطوته الأولى “بانتخاب رئيسه وأعضاء مكتبه”، وذلك ما سيؤسس للخطوة الثانية والثالثة والرابعة والتي يجب أن تكون نحو المواطن ولا أحد آخر غيره.