ثقافةصحيفة البعث

أكرم صالح الحسين: الشعر ليس بالكمّ والإبداع يقف في الظل

أمينة عباس
يعلن الشاعر أكرم صالح الحسين عن إصدار مجموعته الشعرية الثانية “مغلق أنا”، وما جاء في الإهداء يلخص ما يتضمنه الديوان: “إلى رجل منهك يسير مغمِضاً حواسه/ يردد أسئلته عن الحرب، عن الحب/ عن كل ما يدور حوله من مجازر/ هو منهك تماماً/ لكنه رجل يتساءل”.
يقول أكرم صالح الحسين في حوارنا معه: “تغوص قصائد المجموعة الصادرة عن دار توتول عميقاً في اليوميات والأحاسيس التي يشعر بها رجل غير عادي يعيش في وطن مزّقته الحرب سنوات، محاولاً الاستمرار على الرغم من كل الظروف التي تحيط به، متنقلاً بين الأمس واليوم، فللحارات والأزقة والمدن والقرى ذاكرة مختلفة، إنها تحدثه في كل يوم عن ماض يعرفه وحاضر يحاول الانسجام معه، وهو في الوسط حلم ويتمنى عودة الشمس ويداه ملطختان بالعتمة ووجهه يتلمس طريقه محاولاً عدم الوقوع، لذلك خرجت قصائد الديوان في كثير من المواقع عن المألوف وجنحت نحو الذاتية المنفتحة على العالم لتعبّر عن حالات خاصة بي، لكنها مع ذلك تلامس الكثيرين بهواجسها ومطباتها ووجعها الذي حفر عميقاً في إنسانيتنا التي نالت منها الحرب وتردداتها التي نعيشها في هذا الظرف الصعب، والطريف في الأمر أن بعض الأصدقاء كتبوا على صفحاتهم الشخصية أن “مغلق أنا” يخصهم جميعاً، وهذا هو السبب الذي جعلني أقول أن هذه المجموعة تعني لي الكثير بقصائدها الـ 32″.
وفي الوقت الذي يردد فيه الحسين “الكتابة عملية تدفعنا للاستمرار، وسنفقد وجودنا إذا توقفت أقلامنا عن الكتابة” يحاول كثير من النقاد المقارنة والمقاربة بين شعره وشعر أخيه رياض الحسين: “لا تتبلور شخصية الشاعر وموهبته من دون اطلاعه على نتاجات الشعراء، قديمهم وحديثهم، فكيف إن كان هناك شاعر في الأسرة ترك بعد رحيله مكتبته بكل ما فيها من تنوع، شعر ورواية ومسرح وفلسفة وسياسة وكتب مترجمة استظليتُ بها.. رياض أخي، تربّينا في بيت واحد وأشياء كثيرة جمعتنا، ويمكن التحدث عنها، لكن أكتفي بالقول: نعم.. لقد تأثرت برياض القدوة والتجربة الفريدة، ويقول بعض النقاد، وحتى الأصدقاء إنني أمشي في ركابه وإنني أشبهه ويقول بعضهم إنني تجاوزت تجربته وإنني مختلف عنه كلياً، وكل هذه الأقوال تبقى مجرد وجهات نظر، لكن الحقيقة لا تخفي نفسها، وها أنا أعترف بأنني تأثرت به في بداياتي كما تأثرت بغيره، وهذا يفعله الجميع، لكنني استطعت الخروج من عباءته وعباءة غيره قبل أن أفكر بطباعة مجموعتي الشعرية الأولى “ظلال متعبة” ومع ذلك بقيت تلاحقني هذه “التهمة” بين الحين والآخر، وها أنا أقول إذا كان رياض هو تهمتي فأنا راض بها”.
يؤمن الحسين بأن الشعر ليس بالكمّ بل بالنوع قائلاً: “قد يكتب الشاعر عشرات القصائد ويمزقها، وقد يعيد الأمر مراراً، ووصفي أنني قليل الإنتاج مقارنة مع زمن كتابتي للشعر سببه تكاليف الطباعة، فأنا عندي أكثر من خمس مجموعات شعرية جاهزة، وواحدة تحت الطباعة ومجموعة قصصية، وروايتين لكنهما غير مكتملتين”، ويستغرب من كثرة ترديد أن للشعر زمن، فقلّ الشعر وتكاثر الشعراء، يبين: “الشعر موجود منذ بداية الخليقة في كل صباح ومع كل زهرة تتفتح وفي نظرات العشاق وألعاب الأطفال، ويولد في السجون والحروب، أما انتشار الشعراء وتكاثرهم فهذا شيء طبيعي، فعلى مرّ القرون قيل عن كثيرين أنهم شعراء، لكن الزمن كان كفيلاً بغربلتهم، فلم يبقَ منهم إلا القليل، ولا مانع أن يحاول الكل الكتابة، فإن وجدت الموهبة سيبقون وإلا فمصيرهم كغيرهم ممن لم نسمع عنهم”.
يكتب الحسين شعر العمود والتفعيلة بقصد المعرفة والإلمام ببحور الشعر ومعرفة كيفية صياغة الجملة الإيقاعية للقصيدة، أما النثر الذي انحاز له كلياً في “مغلق أنا” فهو “الأساس والحب والمكان الذي تألفه روحي ويستسيغه فكري، ومع محبتي للنثر يبقى إيماني بأن لكل حالة ثوبها الخاص الذي يأتي معها، فأحياناً قد تخدعني الفكرة وتأتي بعكس ما كنت أظنها، لذلك أترك لها الباب موارباً لتدخل كيفما شاءت، ولكن أعتقد بأن ثلاثة مجموعات في قصيدة النثر كافية لتحدد الهوية الحقيقية لي، مع إصراري على ترك القصيدة تأتي كيفما شاء لها الهوى”.
وردّاً على سؤال “ما الذي جعله يكتب على صفحته: “ليس هناك أقبح من تفاهة نصّفق لها بينما يقف الإبداع في الظل محاولاً التقاط أنفاسه؟” يجيب الحسين: “كتبتُ ذلك لأن هذا ما يحصل، فالإبداع يقف في الظل لأنه لا يملك الأدوات التي تظهره، بينما نشاهد التفاهة تسرح وتمرح، فمرة تأتي على شكل امرأة جميلة يتهافت الحاضرون على رفع شأنها ووضعها بجانب الخنساء، ومرة تأتي بصورة المال، فتُطبع الكتب وتُنشر الأخبار وما أكثر المنافقين والساعين من أجل الفُتات، المهم أنها تأتي”، أما علاقته كشاعر بوسائل التواصل الاجتماعي فيقول عنها: “فتحت الباب ليتعرف الكاتب على أشخاص مختلفين ويسمع رأيهم فيما كتب ويتعلم من التجارب الأخرى ومن كل الجنسيات وتكون نافذة له ليتعرف الآخرون عليه وعلى ما يكتب، مع قناعتي التامة بأن هذه الوسائل لن تحلّ محل الكتاب وأهميته في حياتنا وتعزيز ثقافتنا”.