ثقافةصحيفة البعث

هناء يزبك: الطريقُ إلى الشعر ليس مفروشاً بالورود

حمص ـ عبد الحكيم مرزوق

لديها ثلاث مجموعات شعرية هي “امرأة من نار” و”على شواطئ الشغف”، وتعد مجموعتها الأخيرة “عد بي إلي” بمنزلة دعوة إلى الحب والتسامح والتصالح، وفيها قصائد للحرف والكلمة وللوطن الغالي والشهيد والأم والغربة والمعاناة من مفرزات الحرب الجائرة التي مر بها بلدنا.

في لقائنا معها، حدثتنا بداية عن تلمسها طريقها إلى الشعر بقولها: “كلما استرختْ غيمةٌ شقراءُ على شرفة السّماء ببطءٍ لذيذٍ، مثلما تسترخي الفراشةُ على خدّ من عبير وردتِها، يفتحُ لي الحنينُ بابَ الذّكريات على الضّلوع حيث الذّكرى هي قيثارتي الأرقُّ حين تكونُ الأماسي مواويلَ الغياب، تأتي النغماتُ نغمةً إثرَ نغمةٍ حتى تكتملَ القصيدة، يصطفُ طابورٌ من الحروف ثمّ يتسربُ دفئاً في الكلمات يمدُّ عرائشَ الدّهشة على ملامحي حتى أشعرُ بالظّلال تقودني إلى قيثارتي أعيدُ دوزانَها بريشة الحبّ ولونِ الأمل، هكذا أتلمسُ الطريقَ إلى القصيدة”.

وفيما إذا كان هذا الطريق معبداً وسهلاً بالنسبة إليها، أم واجهتها بعض المطبات تجيب يزبك: “سلالُ أبجديتي تظلُ أخفّ من الريشة لأنها لم تقطفْ قطُّ سوى ما ينبغي لها أن تحملَ على الرغم من صبايا الكلماتِ الثائرةِ ولهيبِ المفرداتِ دائماً كان على حناجرِها أقفالٌ مختومةٌ بالصمتِ الأحمرِ على الرغم من بعض الانتهاكاتِ فتطفرُ بعضُ المجازاتِ على الورقة، وحينما تتحرشُ بالشعر تتجلى النصوصُ الخجلى حيناً والعصيّةُ على الأقفالِ حيناً آخر، فالطريقُ إلى الشعر ليس كما يظنُ البعضُ مفروشاً بالورود”.

وعن تأثير قراءاتها على تجربتها الشعرية والشعراء الذين أسهموا في بلورة شخصيتها الشعرية تقول: “لطالما رافقتُ نوارسَ الدلالاتِ المسافرة على شواطئِ المعري ونزار والمتنبي وغيرهم، وأطلقتُ عصافيرَ الخيال تجوبُ أزقةَ الشوارعِ تستمعُ لهمسِ عاشقين وأنينِ من جرّبَ الفقدَ والمنفى والغيابَ والخيبةَ والخذلان أنثرُ لها ما يكفي من حبوبِ الأفكارِ تلتقطُها صوراً وتعاودُ الطيران سورتُ بها خيالي والتقينا في الأحلام على عتبات القوافي هكذا تبلورتْ شخصيتي والقصيدة”.

تقول إن مجموعتك الأخيرة هي بمنزلة دعوة إلى الحب والتسامح والتصالح، فهل تعتقد  بحاجتنا في هذه المرحلة إلى الحب والتسامح في ظل الفساد القائم؟ تجيب يزبك: “من أجلِ إلقاء القبضَ على الفسادِ والحقدِ والمفاهيم الخاطئةِ للإنسانية وقيمِها والأشواكِ التي نبتتْ في صحراء العمر، لا بدَّ من أن نلتقي في حديقةِ الحبِّ لأنّ لقاءَنا القديمَ في واحة الوطنِ جعلَ الأحلامَ والأمنياتِ وكلّ ما هو جميلٌ يتسربُ من بين أصابعِ الرمال”.

وترد يزبك على أحد النقاد الذي لفت انتباهه الانزياح اللغوي القائم على خرق المألوف في مجموعتها الأخيرة، وتساؤله عمّا إذا كانت تعتقد بأن هذا يساهم في انتشار الشعر ولا يحدث فجوة لغوية بقولها: “هذا الانزياحُ اللغويُ القائمُ على خرقِ كلّ ما هو مألوفٌ والمتدلي بالدّهشةِ من صدرِ اللغةِ على أفق من الخيالِ حوّلَ العمرَ إلى ورقةٍ بيضاءَ مسطرةٍ بخطوطِ الحبِّ والدفءِ ينسالُ الشّعرُ فيها إلى القلوب قطرةَ ندىً شهيّةً تمتزجُ بالإحساسِ فتعشوشبُ اللغةُ ويخضرُّ قلبُ الفراهيديِّ وسيبويهِ وتندثرُ الفجواتُ”.

وعن دور الهيئات الثقافية في تقديم الشعراء والأدباء والمفكرين والمثقفين، تقول: “دائماً كنت أتساءلُ على أي جهةٍ تضبطُ الهيئاتُ الثقافيةُ بوصلَتها وهي تنتقي ما تقومُ بطباعتِهِ من دون أن توصلَنا لمرحلةِ الخذلان، ما هذه الدقةُ المفرطةُ في صياغةِ الخيبة؟!.. قرأتُ بعضَ المطبوعاتِ الجيدةِ والبعض بل الكثير منها تحسرتُ على الحبرِ والورقِ وثمّةَ حسرةٌ مازالت تمتدُّ خارجَ أسوارِها على مخطوطاتٍ جميلة لن ترى الضوءَ والأكيد لبعضِ الاعتباراتِ التي ربما نجهلُهَا أو ندّعي ذلك”، مضيفةً: “في الطريقِ الممتدِّ بين الابداعِ والحشوِ على الهيئاتِ الثقافيةِ العبورُ على جسرٍ شاهقٍ تلتقطُ اللآلئَ من بحارِ الدّهشةِ والجمال وتلمُّها حبةً حبةً في خيطٍ على جيدِ الأبجدية حتى يكتملَ عقدُ الجمالِ”.

وفيما إذا كانت الجوائز تعطي الشاعر أو القاص أو الباحث شهادة جدارة وتفوّق في مجاله أجابت: “وحدَهُ الشّعرُ من يمنحُ الشّاعرَ اللحظةَ المجنّحةَ إلى أعالي القمرِ لكي يقطفَ البريقَ وجائزتُه هي سريرٌ من ريشِ المجازِ يستريحُ عليه كلّما شعرَ بالخيبةِ والفرح.. لا أنكرُ أنّ الجائزةَ إنْ كانتْ تمتلك الجهةُ المانحةُ المصداقيةَ تُشْعِر الشاعرَ بالمسؤوليةِ ليستمرَ في الصّعودِ حاملاً على أكتافهِ الوطنَ إلى إقليمِ المستقبل”.

وفيما إذا كانت تعتقد بأن المنابر قد أنصفتها، تجيب يزبك: “إنْ كانتِ المنابرُ قد أنصفتني أمْ لم تفعلْ فالشعرُ حاضرٌ في روحي اتّخذَ صفحات القلب وطناً خالداً لا يصدأُ يلتقطُ أسرارَ الحياةِ ويجذبُ أرواحَ البشر”.

وختمت يزبك لقاءنا بالقول: “نحنُ اليومَ نحتاجُ إلى الشّعر سلاحاً للسلامِ نواجهُ به قبحَ هذا العالم، ونحتاجهُ منجلاً لإزالةِ كلِّ الأشواكِ المتجذّرةِ داخل الإنسان”.