تحقيقاتصحيفة البعث

بعد رفض التجار تقديم الوثائق المصرفية.. الأسعار الاسترشادية ليست “بدعة” بل آلية لمنع التهرب من الرسوم والضرائب!

علي عبود

لم ولن يتوقف التجار عن مهاجمة أي تشريعات أو قرارات تحد من شعارهم الدائم (دعه يعمل.. دعه يمر) أو من تخفيض أرباحهم الفاحشة، بل لا يترددون بالتهديد بمغادرة البلاد، أو التوقف عن الاستيراد وتزويد الأسواق بالمواد والسلع إن لم تستجب الحكومة لمطالبهم المتزايدة يوما بعد يوم.

لاحظوا أن التجار ضد الأتمتة والفوترة، وضد تقديم البيانات الضريبية، وضد المنصة الالكترونية، وضد تنسيب عمالهم للتأمينات، وضد تزويد نسبة 15 % من مستورداتهم للسورية للتجارة مقابل تسهيلات البنك المركزي، وضد الحملات الجمركية على مستودعاتهم.. هم ضد كل ما يحد من النظرية الليبرالية (دعه يعمل دعه يمر) بلا قيود أو شروط!

وهاهم التجار يوجهون سهامهم إلى (الأسعار الاسترشادية) ويصفونها بـ(البدعة السورية) والهدف واضح فهم يقولون للجهات الحكومية المعنية مداورة: لن نكشف عن القيم الحقيقية لمستورداتنا!

معضلة مزمنة

لقد كانت عملية تحديد قيم وحجم المستوردات معضلة منذ تسعينات القرن الماضي، ولم يستطع أي وزير للاقتصاد أو المالية تطبيق آليات أو قرارات تُلزم التجار بتقديم بيانات جمركية حقيقية بالمستوردات أو الصادرات، وكان ولايزل يتم التلاعب  ببيانات المستوردات للتهرب من دفع ضرائبها ورسومها، وكان ولا يزال حجمها الفعلي أقل من الإفصاح عنها في البيانات، كما كان ولا يزال الأمر عكسيا في الصادرات، فأرقامها في البيانات أعلى من المصدر فعليا بهدف الاستفادة من عائداتها من القطع الأجنبي.

ومع أن الحل كان ولا يزال بأتمتة العمل الجمركي، فإن التجار رفضوا الأتمتة ونجحوا بمنع تطبيقها تحت ذرائع مختلفة لأنهم غير مستعدين للكشف عن حجم وقيم مستورداتهم وصادراتهم، وهم يشنون منذ أشهر حملة على الأسعار الاسترشادية، فلماذا؟

ما البديل للأسعار الاسترشادية؟

من وجهة نظر وزارة المالية المسؤولة عن تحصيل الضرائب عن أرباح التجار الفعلية وليست الوهمية، وخاصة بعدما كشف وزير مالية سابق عن تهرب كبار التجار عن دفع ضرائبهم، فإن الأسعار الاسترشادية هي الخيار الوحيد المتاح حاليا للتحقق نسبيا من الكلف والقيم الحقيقية للمستوردات، في حين يرى التجار أن الأسعار الاسترشادية (بدعة سورية) لا مثيل لها في العالم!

وتقوم وزارة المالية بتعديل الأسعار الاسترشادية من حين إلى آخر، كان آخرها في شهر أيار ونهاية شهر تموز الماضي وشملت الأسعار الخاصة بـبعض الأقمشة والأغنام والعجول وماكينات وشفرات الحلاقة، وهذا يعني أن كل تعديل يشمل مواد جديدة بعد مراجعاتها من قبل وزارة المالية، ومع كل تعديل تعلو أصوات التجار رفضا واعتراضاً!!

ثمة سؤال!

هل من بديل للأسعار الاسترشادية مع غياب الأتمتة والفوترة؟

عدد من أعضاء غرفة تجارة دمشق، ويؤيدهم كل تجار سورية يعتبرون (أن كل ما يتم الحديث عنه حول الأسعار الاسترشادية غير مقنع لأنها اختراع محلي وبدعة سورية غير معمول بها عالميا).

ولأنها بنظرهم (بدعة سورية) فإن التجار يطالبون (بإلغائها والاستعاضة عنها باعتماد الأسعار والفواتير  الحقيقية التي يقدمها المستورد، وبحال وجود شكوك حول هذه الفواتير والبيانات المالية يمكن التحقق منها عبر العديد من الوسائل التي تعلمها حسب تأكيد التجارـ الجمارك وبسهولة!.

حسنا، إذا كانت الجمارك لديها القدرة على الوصول إلى الأسعار الحقيقية للتجار، فلماذا الاعتراض على أتمتة الفوترة والجمارك، وبالتالي إلغاء الأسعار الاسترشادية من أساسها؟

لماذا إخفاء المستندات المصرفية؟

وما يعتبره التجار بدعة، يراه المخلصون الجمركيون  إنه إجراء ضروري ولا بديل عنه في ظل رفض التجار لتقديم المستندات المصرفية التي تكشف قيم التحويلات المالية التي تم تسديدها للشركات الموردة، وبالتالي السؤال: لماذا يخفي التجار المستندات المصرفية عن الجمارك التي تُثبت قيم مستورداتهم؟

الخيار البديل للأسعار الاسترشادية هو بتقديم الوثائق المصرفية بدلا من وصفها بأنها (بدعة سورية)، ونجزم أن ما من تاجر سيفعلها لأنه غير مستعد للإفصاح عن أسعار مستورداته فهذا يعني بيع السلع في الأسواق بأسعار أقل بكثير مما تباع فيه، وبالتالي ما من تاجر سيتخلى عن احتكار الأسعار والمواد!

الملفت أن التجار يقدمون دائما بيانات وفواتير للجمارك على مسؤوليتهم الشخصية، وهي دائما فواتير غير حقيقية يتم التلاعب بقيمها بالاتفاق مع الشركات الموردة، ولم تكن بيانات التجار على مدى العقود الماضية دقيقة فهي دائما وأبدا وهمية، ولو لم تكن كذلك لرفضوا إظهارها كما يرفضون تقديم الوثائق المصرفية التي تُظهر القيم الفعلية لمستورداتهم!

لا تمثيل للمخلصين الجمركيين

وبما إن غرف التجارة والصناعة ممثلة في لجنة الأسعار الاسترشادية، فلماذا لا تعترض على التعديلات الجديدة داخل اللجنة بدلا من مهاجمتها في اجتماعاتها الدورية أو بالإعلام؟

وبدلا من وصفها بأنها (بدعة سورية) لا مثيل لها في العالم، لماذا لم يقترح ممثلو غرف التجارة والصناعة البدائل التي تلغي اللجنة مثل الوثائق المصرفية وأتمتة عمل الجمارك؟

أكثر من ذلك لماذا لا تضم لجنة التسعير الاسترشادي ممثلا عن جمعية المخلصين الجمركيين إلى جانب ممثلي وزارات المالية والاقتصاد والتجارة الداخلية ،والمصرف المركزي، وغرف التجارة والصناعة والزراعة؟

إن المخلص الجمركي هو الأقدر على مناقشة وكشف التلاعب ببيانات التجار، وبالتالي فوجوده في اللجنة ضروري جدا.

حقوق الخزينة 

ومهما قيل في الأسعار الاسترشادية إلى حد وصفها بالبدعة، فإن الهدف الوحيد من مهاجمتها هو الاستمرار بالتهرب الضريبي، فمع رفض التجار للبديل وهو تقديم المستندات المصرفية الخاصة بقيم مستورداتهم، فإن الأسعار الاسترشادية تبقى الإجراء الوحيد المتاح أمام وزارة المالية للحفاظ على حقوق الخزينة العامة من أرباح التجار الفعلية وتحصيل الرسوم المستحقة، فلا يُمكن الثقة ببيانات مزورة او تم التلاعب بأرقامها.

وإذا كانت الأسعار الاسترشادية بحاجة إلى تعديل دوري بفعل زيادة الكلف العالمية للإنتاج والشحن والتوريد..الخ، فالأمر متاح دائما من قبل ممثلي غرف التجارة والصناعة في لجنة التسعير بما يضمن حقوق التجار وخزينة الدولة.

الخلاصة:

سبق واقترحنا على وزارة الاقتصاد إنشاء داتا للتجار مع منصة الكترونية تتضمن قائمة بمستورداتهم ومتابعتها من لحظة وصولها إلى المرفأ فالمستودع فالأسواق، والتنسيق مع وزارة المالية لأتمتة أعمال التجار من البيانات الحمركية إلى فوترة المبيعات سواء كانت بالجملة أم بالمفرق فإلى تقديم بياناتهم الضريبية عن مجمل أعمالهم السنوية..الخ، فالأتمتة والفوترة هما الحل الجذري للتسعير وللتهرب الضريبي.