“مات البنفسج.. إنها الحرب” حكايات إنسانية يسردها بديع صقور شعرياً
أمينة عباس
كان الشعر المتنفس الوحيد له في فترة الحرب على سورية، وكانت حصيلته منه كبيرة، وقد عبّر من خلاله عن فداحة الحرب وما خلّفته في نفسه كإنسان وكشاعر، ولأن الجرح الذي تركته كان وما يزال عميقاً لم يتخلص الشاعر بديع صقور من آثارها حتى اليوم، وبقيت صورها مطبوعة في ذهنه ومحفورة في قلبه، وظلّت تخيّم على كتاباته، فجاءت مجموعته الشعرية الجديدة بعنوان “مات البنفسج.. إنها الحرب” الذي احتفى بها، مؤخراً، المركز الثقافي العربي في “أبو رمانة” بحضور الشاعر من خلال ندوة أشرف عليها مدير المركز الأستاذ عمار بقلة وشارك فيها الدكتور عبد الله الشاهر، والكاتب أيمن الحسن.
يقول صقور في تصريحه لـ”البعث”: “أتحدّث في هذه المجموعة عن زمن الحرب التي عبثت فينا قتلاً وتشريداً وتدميراً والتي غيّرت فينا الكثير، والبنفسج هو رمز للسلام والمحبة والأمان، كذلك رمز للحزن لأن ما جرى على هذه الأرض حالة تبعث على الحزن في نفس الشاعر الذي عاش ما عاشه الناس خلال الحرب، فعبّرت بقصائده عن ذلك، والتي كانت قراءة للعالم الذي يحيط بنا أيضاً بما يدور فيه من قتل وتدمير وعنف وظلم، وأرى أن مهمتي كشاعر أن أؤرخ لكل ما أراه وأشاهده”.
وانطلاقاً من إيمان بديع صقور بمقولة رسول حمزاتوف “علّمني أبي ألا أمشي على الطريق السالكة في الشعر، وأن أخطّ طريقاً لم يطأه أحد سواه من الشعراء” وهي المقولة التي افتتح بها المجموعة، يقول: “سردتُ فيها حكايات إنسانيّة ترقى لأن تسمى مقطوعة شعريّة، وفيها تداخل الشعر مع الحكايات، وهذا المزج بينهما ليس جديداً عليّ، إذ سبق أن جرّبت كتابة جنس عابر للأجناس، ليس قصة ولا رواية ولا شعراً ولا سيرة ذاتية، بل هو كل هذه مجتمعة كما في “زهرة الريح” و”تبقى الجبال”.
ولم يتردد الدكتور عبد الله الشاهر بأن يخاطب الشاعر بديع صقور قائلاً: “أنا لا أغبطك على ما كتبت في مجموعتك هذه، لأنك لم تكتب شعراً.. أنت صورتَ وجعاً، ودماً، وموتاً.. من أين أتيت بكل هذا الكم من النواح؟ أمن جبال الريح التي لم تقبض منها شيئاً؟ أم من موت البنفسج الذي أسطرته أوربا قبلك ووصفته بالحزن والعذاب والألم والمعاناة وبالموت أيضاً؟.. بنفسجك يا صديقي غصة في الروح ودمعة حائرة في العين لما تزل تدور في محاجرنا يا بديع.. لقد أبدعت في وصف الفجيعة وأغرقتنا بالدموع المسكوبة.. لقد كان بهاء حزنك أعلى من موت بنفسجك.. كفاك نحيباً وعويلاً.. أعلم أنها الحرب التي مات فيها كل شيء”.
وعلى الرغم من كل ما سبق وذكره الشاهر وكل ما جرى، يبيّن أن توصيف صقور للحرب: “أيقظ فينا شهوة الحياة وعلمنا على مدى اثنين وأربعين نصاً مدججاً بالموت وأتباعه كيف هي الحياة، فمن بشاعة الحرب نرى جمال الحياة.. والمجموعة حكايات ألم لكنها في الوقت ذاته شهوة حياة حيث يقول صقور: “لا أريد أن أموت لأنني أريد أن أغني إلى الأبد”. ويضيف الشاهر: “جاءت غالبية قصائد المجموعة بسردية أساسية يحكمها موضوع واحد هو الحرب، وتضمين كثير لنصوص تتماهى مع النص الشعري للشاعر من أدباء وسياسيين ومفكرين ورجال دين، وهذا مؤشر واضح على حالة التماهي في الوجع الإنساني، كما حفلت هذه النصوص بإسقاطات تاريخية وعناوين شخصيات مثل إسكندر المقدوني وجنكيز خان وغيرهما وكأن الشاعر يريد قول إن الجميع قتلة وزوالهم كسب للإنسانية”.
وحين انتقل الشاهر إلى ميزات الكتابة عند الشاعر صقور في هذه المجموعة يخبرنا قائلاً: “النثرية سمة بارزة في النص، فالشاعر لا يكترث بالوزن ولا حتى بالقافية، ونصه محكوم بفكرته وكيف يمكن التعامل معها لغوياً مع وجود حكائية سردية فيها شواهد ومشاهد تميزت بمشهدية بانورامية حاول من خلالها أن يجمع في نصه المشاهد الموت الأكثر بشاعة، معتمداً الإيجاز والإخبار بأن يوصل للمتلقي ما يريد ضمن إثراء لغوي موظف لصالح الموضوع في جميع النصوص، مع كثرة الانزياح من خلال التقديم والتأخير، كذلك اللجوء إلى التكرار الذي أحسن استخدامه في مواقعه”.
ويحدثنا الكاتب أيمن الحسن: “يخط صقور الشعر وينزله من برجه العاجي ليكون على ألسنة الناس بصوره الجميلة البعيدة عن الصنعة، فينساب بعذوبة وعفوية ويدخلنا في نصوص تتعاطى مع اللغة ببساطة ليوصل مفهومه عن الشعر بأنه حديث الناس في تعبيرية بليغة وحاذقة مؤداها الحرب، كما كانت المجموعة زاخرةً بالتناصات مع شعراء الشعر الجاهلي إلى شعراء العالم المعاصر وأميركا اللاتينية، لكي يبرهن أنّ الحق لابدّ أن يسود ليكون أشبه بموسوعة تعرّف القارئ بالشعراء قديماً وحديثاً بطريقة قريبة من السرد”.
يُذكر أن للشاعر مجموعات شعرية كثيرة، نذكر منها “شقائق الخريف”، و”جلنار البحر”، و”تحت فيء النجوم”، و”أعد الزهرة إلى السماء”، و”يرثُ البحرَ الغبار”.