ثقافةصحيفة البعث

 الكلمة رصاصة ومن يكتب يقاوم

أمينة عباس

يُجمع النقاد على أن عدد الكتب التي صدرت عن مبدعين وباحثين من الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً، حول معركة طوفان الأقصى ما يزال متواضعاً، وقد يكون ذلك مبرراً لأن الكتابة عن الحرب كما تقول الشاعرة البولندية شيمبورسكا: “الكتابة عن الحرب أو وصف الحرب وكأننا نكتب لا لنؤرخ الخراب الذي حصل بل لنعيد الأشياء إلى مكانها، أو نأخذ صورة نادرة لها لم تأخذها الكاميرا، وهو ما يحتاج إلى سنوات”.

حاولت بعض الأقلام تصوير وتوثيق ما حدث في طوفان الأقصى والجرائم البشعة التي ارتكبتها الصهيونية وما تزال في حربها ضد أهل غزة، ففي كتاب “طوفان الأقصى والزمن الآخر” الذي جمعه الشاعر والناقد عمر شبلي وجاء نتيجة جهود منظمة لمجموعة من الكتّاب والشعراء والإعلاميين والأكاديميين العرب الذين وثقوا فيه أحد أكثر مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي أهمية والتي أخذت فيها وللمرة الأولى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المبادرة بعملية بطولية حطّمت فيه مقولة الجيش الذي لا يُقهر من خلال سرده للعملية البطولية التي ما تزال مستمرة وتجابه قوة عسكرية مدعومة من الدول الاستعمارية الكبرى، ويتفق النقاد على أن الكتاب محاولة جدية لتسجيل مرحلة مشرفة من مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي التي أخذ فيها الشعب الفلسطيني المقاوم زمام المبادرة في قطاع غزة وتبعته الضفة الغربية التي انتفضت من جديد، وأُرفق الكتاب بملحق يؤرخ فيه بالصور الملونة وقائع عملية “طوفان الأقصى” ويبرز وحشية العدو الصهيوني في تدمير البنى التحتية والجرائم التي ارتكبها وما يزال بحق الشعب الفلسطيني المقاوم، يقول منسق الكتاب والمشرف على تنسيقه مع لجنة تعاونت معه في التنسيق والتوزيع الشاعر عمر شبلي: “هو أول كتاب يصدر في لبنان والوطن العربي في زمن الحدث العظيم، هو شهادة على أن الكلمة رصاصة حين تولد من قلم ملتزم وتمشي إلى المعركة تحت راية نظيفة، وهو محاولة جادة للدخول مباشرة في المعركة لأنها كانت الزمن الآخر لإنهاء أسطورة الوهم الصهيوني وبداية للزمن العربي الجديد الذي صنعه أهلنا ولا يزالون يصنعونه في فلسطين، وفي غزة تحديداً، وهو يرصد بوعي منهجي وأدلة دامغة الحدث المقاوم الذي صنع الزمن الآخر.. لقد أنجزت غزة وأختها الضفة الغربية معجزة الزمن الفلسطيني الذي ينتظره كل أحرار أمتنا العربية وأحرار العالم للخلاص من الظلم والعدوان والعنصرية الصهيونية المدعومة من قوى الشر وعلى رأسها الولايات المتحدة، وانطلقت فكرة كتاب “طوفان الأقصى والزمن الآخر” ليكون ظهيراً للفعل المقاوم في فلسطين عربيةِ الوجهِ واليدِ واللسان، وقد تطوعت كوكبة من المفكرين والإعلاميين والأدباء لإنجازه بشكل سريع ومتقن”.

أما كتاب “يوميات معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من السّابع من أكتوبر 2023 حتى 13 مارس” وهو من إعداد وتحرير د.محسن محمد صالح وربيع محمد الدنان ود.باسم جلال القاسم ووائل عبد الله وهبة فوثّق يوميات طوفان الأقصى ومواقف الدول العربية والأجنبية، وقدم إحصاءات تتعلق بالمعركة ونتائجها، وعرضَ أبرز الأحداث المتعلقة به من 7/10/2023 إلى 31/3/ والتي تعكس مسار الأحداث وأداء المقاومة في التصدي للعدوان، كما سلط الضوء على جرائم الحرب الإسرائيلية والانتهاكات بحق المدنيين، وعرض التحولات في المسارات السياسية، وتحديداَ مواقف القوى الفاعلة فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، وتبرز أهمية هذا الكتاب في تأمينه مادة موثقة لعملية طوفان الأقصى بجميع جوانبها وتطوراتها في الفترة التي تمت تغطيتها ليسهم بذلك في إغناء المكتبة الفلسطينية بالكتب المرجعية التي تخدم الباحثين والمهتمين بالدراسات الفلسطينية، بالإضافة إلى الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات.

وقدمت الشاعرة والمترجمة الفلسطينية ريم غنايم بمشاركة سبعة عشر كاتباً كتاب “الوصايا” الذي ضم شهادات مبدعات ومبدعين من غزة في مواجهة الموت، وقد استشهد بعضهم، وعنه تقول غنايم: “اللحظة التي قررتُ فيها إنشاء هذا الكتاب هي اللحظة التي أدركتُ فيها أن المكتبات والجامعات والأكاديميون يُقتلون، والفنانون والكتّاب يُقصفون ويتحللون تحت الركام، وأننا جميعاً مشروع موت مؤجل ما دامت الكتابة أيضاً دخلت حيّز المحرقة والموت ونفدت صلاحيتها.. ماذا نفعل في سيل العنف المتواصل؟ لقد أردتُ من خلال الكتاب أن أجمع وسط النجيب والحداد والصراخ أصوات أولئك القادرين على توثيق اللحظات الأخيرة لأنّ المصير الفلسطينيّ لن يكون كما كان بعد هذا المشهد، أما الكاتب الكندي الأرجنتيني “ألبرتو مانغويل” الذي كتب مقدمته فيقول: “المأساة الكبرى التي يعيشها الشعب الفلسطيني لا يمكن وصفها بالكلمات.. وحدهم الضحايا يمتلكون القدرة على نقل الظروف التي يعيشونها إلى من يشهدون هذه المأساة، لكن حتى في تلك الحالة وحتى بلسان المتألمين تخفق اللغة”، في حين تسأل الفيلسوفة “جوديث باثلر” في نص خصصته للكتاب: “ما الوصية الأخيرة؟ إنها آخر ما تبقى من رغبة وأمل.. ما الشهادة؟ إنها تمنحنا شذرات من حياة لا تزال على قيد الحياة، بينما تسبر غور مستقبل حياة لم تعد على قيد الحياة”.

وفي كتاب “حكايات الذين لم يغادروا” سرد الناقدان عادل الأسطة وزياد عبد الفتاح     قصصاً كتبها أصحابها أو عن أصحابها، كما وصلت لهما من داخل تجربة سكان قطاع غزّة.

ويتابع الناقد صبحي حديدي في كتابه “سرديات الطوفان، غزة المعمدان وصهيون الإبادة” وهو عبارة عن مقالات تجمع بين السياسة والأدب كما الكتب الأخرى الحديث عن جرائم العدو بحق الفلسطينيين وعن عملية الطوفان، حيث يضم القسم الأول منه مقالات يعود بها الكاتب إلى ما قبل “طوفان الأقصى” كخلفية لما أسفرت عنه جرائم الحرب الإسرائيلية، ومقالات القسم الثاني تتناول سرديات ما بعد الطوفان، ويرى صبحي حديدي أن مقالات الكتاب لا تنأى عن وقائع السياسة ولا عن مفاعيل الثقافة، بل تدأب على الجمع بينهما في اللغة والنطاق والمقاربة والموضوعات.

كتب أخرى تناولت سرديات طوفان الأقصى في جزء من تفاصيله، لأن ما حدث لا يمكن حتّى اختصاره في عشرات الكتب وربما مئاتها.