في ذكرى إلغائها.. تجارة الرقيق لا تزال منتشرة
د.معن منيف سليمان
يحتفل العالم باليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وذكرى إلغائها، في الثالث والعشرين من شهر آب من كل عام، وذلك بهدف توثيق مأساة الاتجار بالرقيق في ذاكرة الشعوب كافة، وإعطاء فرصة للنظر في الأسباب التاريخية لهذه المأساة الإنسانية وأسبابها وعواقبها، وتحليل التفاعلات التي أدت إليها بين أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين وجزر البحر الكاريبي. ولكن على الرغم من إلغاء تجارة الرقيق، إلا أن العالم اليوم لا يزال يشهد أشكالاً جديدة من العبودية.
اختارت الأمم المتحدة يوم 23 آب لإحياء ذكرى هذه المناسبة لأنه يصادف ذكرى الانتفاضة التي قام بها رجال ونساء في عام 1791، بغية تمكين “هاييتي” من نيل حريتها واستقلالها. وشكل هذا التحرك منعطفاً في تاريخ البشرية، كان له أثر بالغ في مسألة تأكيد الطابع العالمي لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أن النضال استغرق أكثر من عقد من الزمن، فإن الشعب الهاييتي هو الذي انتصر بالاستقلال عن فرنسا، وأصبحت بذلك دولة “هاييتي” أول بلد يتم تأسيسه بواسطة العبيد السابقين. كما شجعت الثورة على مناهضة الرق في أوروبا، وأدت إلى القضاء على تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي.
وكانت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي قد جلبت الكثير من العبيد إلى الولايات المتحدة، وازدهرت ونمت وتضاعفت خلال مرحلة الحرب الأهلية، وقد شردت هذه التجارة نحو 1.2 مليون رجل وامرأة وطفل أمريكي.
واستمرت هذه التجارة اللا إنسانية المأساوية عبر المحيط الأطلسي الذي شهد واحدة من أحلك الفصول المظلمة في تاريخ البشرية، لمدة تفوق الأربعمائة عام، على الرغم من المقاومة الشرسة من قبل الملايين من الشعوب المستعبدة.
وفي عصرنا الحالي، ونظراً للآثار السلبية التي خلفتها تجارة الرقيق، بادرت الأمم المتحدة بإعلان يوم 23 آب من كل سنة يوماً عالمياً لإحياء اليوم الدولي لذكرى الاتجار بالرقيق عبر المحيط الأطلسي بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة في 17 كانون الأول عام 2007، تكملة لليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وذكرى إلغائها الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة “اليونسكو”.
ودعا القرار إلى وضع برامج التوعية التثقيفية من أجل حشد جهود جهات منها المؤسسات التعليمية، والمجتمع الدولي بشأن موضوع إحياء هذه المناسبة لكي تترسخ في أذهان الأجيال المقبلة أسباب تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، ونتائجها والدروس المستخلصة منها، والتعريف بالأخطار المترتبة على العنصرية، وخلق عالم يسوده العدل ويمكن للبشر العيش فيه بكرامة وفي سلام.
ولكن على الرغم من إلغاء تجارة الرقيق، إلا أن عالم اليوم لا يزال يشهد أشكالاً جديدة من العبودية، وهي موجودة على نطاق واسع وتتخذ العبودية الجديدة عدة أشكال كالاتجار بالبشر، والعمل القسري، والاتجار بالأعضاء البشرية. وهي كلها ممارسات تشكل جريمة ضد الإنساني، معظم ضحاياها ينتمون إلى مختلف شرائح المجتمع، لكنها تستهدف غالباً الفقراء والمعوزين الأكثر هشاشة.
وتشير التقديرات إلى أن عدد ضحايا الأشكال الجديدة للعبودية حول العالم يتخطى الأربعين مليون شخصاً، وهو يتجاوز بثلاثة أضعاف عدد ضحايا الاتجار بالرقيق الأسود عبر المحيط الأطلسي.
وذكر تقرير سابق للأمم المتحدة أنه على الرغم من إلغاء العبودية بالفعل في جميع أنحاء البلدان على مدى القرنين الماضيين، ولكن الكثير من البلدان لا تعد العبودية جريمة قانونية، وتفتقر نصف دول العالم تقريباً حتى الآن لوجود قانون جنائي يعاقب على ممارسة العبودية أو التجارة بالعبيد.
وفي هذه المناسبة، تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلامية في أواخر عام 2014، ذكرت أن تنظيم “داعش” الإرهابي كان يبيع النساء الأيزيديات والمسيحيات كإماء. وفي منتصف شهر تشرين الأول عام 2014، قدرت الأمم المتحدة أن ما بين 5000 – 7000 من النساء والأطفال الأيزيديين قد تم اختطافهم من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي، وتم بيعهم.
وفي عام 2015، أعلن تنظيم “داعش” الإرهابي إحياء العبودية كمؤسسة، ووضع أسعاراً رسمية لبيع الرقيق من الأطفال والنساء حسب أعمارهم، وقد تم بيع بعض المخطوفين كعبيد مقابل القليل من علب السجائر.
إن الاتجار بالرقيق الأسود نجم عن تصور عنصري للعالم، فقد أفضى هذه التصور بعدما تفاقم أمره وبات منظومة فكرية قائمة على أفكار عنصرية، إلى ممارسة سياسية واقتصادية واجتماعية ظالمة ومجحفة للغاية، وهي اليوم تعد جريمة ضد الإنسانية، إذ لا يزال المنحدرون من أصل أفريقي يعانون في جميع أرجاء العالم معاناة يومية من العواقب الوخيمة لهذه التركة المشؤومة، وتصل هذه المعاناة أحياناً إلى حد إزهاق أرواحهم.