لماذا لا تتم محاسبة الإدارات على قراراتها التي تدمّر الأندية؟
ناصر النجار
اعتدنا في الأندية الرياضية أن تأتي إدارات وتستقيل أو تقال دون أن يكون هناك أدنى محاسبة للراحلين على أعمالهم التي قد تكون أودت بالأندية التي قادوها إلى الدمار والحضيض، ونحن نستغرب عدم مساءلة رؤوساء الأندية على إدارتهم للأندية التي استؤمنوا عليها بعد أن تنتهي فترة ولايتهم أو عندما يُقالوا أو يستقيلوا، ودوماً نسمع أن رئيس النادي له فضل على النادي لأنه قبل أن يرأسه ويقوده، وله فضل آخر لأنه استطاع تأمين بغض المال للنادي من التبرعات والهبات وغير ذلك، لتنقلب المعادلة رأساً على عقب، ولنجد أن ما يجري هو عكس الطبيعي، وخصوصاً إذا علمنا أن الاتحاد الرياضي العام “يعزم” الكثير من الأشخاص ليتولوا مقاليد الأندية، ومن يدخل النادي من هذا الباب لا يمكن محاسبته أو سؤاله عما يفعل!
الحقيقة غير ذلك، لأن النادي مؤسسة حكومية لها فضل على كل من يدخلها، لأنها تقدم هؤلاء للناس وتمنحهم الشهرة والخبرة ودخول أبواب لا تفتح لهم لولا أن يكونوا داخل هذه الأندية، ولأن النادي مؤسسة حكومية فيجب أن يجري عليه كل القوانين والأنظمة المرعية بشكل كامل، وحتى تكتمل الفكرة علينا أن نضرب مثالاً واضحاً وبيناً، والمثال الذي بين أيدينا وهو الأقرب نادي الاتحاد (أهلي حلب) ونجد هنا أن الإدارة الجديدة ترمم كل أخطاء وتقصير الإدارة السابقة والإدارات التي سبقتها أيضاً، وعلى سبيل المثال فإن الإدارة الجديدة أنهت ملف اللاعب المحترف الغاني أبو بكر كامارا بعد أن دفعت مبلغ 267 مليون ليرة، وقد ادعى على النادي عبر محكمة الكاس وكسب القضية، والشيء نفسه كان مع المحترف النيجيري سولين فيكتور أباتا، وقد تم دفع مبلغ 410 مليون ليرة سورية للاعب لتنتهي الشكوى وليكون الفريق قادراً على تسجيل اللاعبين، وسبق أن اشتكى اللاعب النيجيري أوكيكي واللاعب الغاني أدجي وتم تسوية وضعهما بمبالغ مضاعفة، ونلاحظ هنا أن الإدارة السابقة هي من تعاقدت مع كامارا وأباتا وبقية اللاعبين المحترفين، وهي من صرفتهم دون أن تعي عواقب ذلك، ولو أنها أنهت عقود اللاعبين بالاتفاق ما اضطرت لدفع ضعفين وثلاثة أضعاف المبالغ المتعاقد عليها أصلاً، وهي من أوقعت النادي في الخلاف مع محكمة الكاس، مع العلم أن اللاعبين (كامارا وأباتا) لم يلعبا في الموسم الماضي إلا بضع مباريات تجريبية ورسمية وتبين أنهما غير صالحين ومستواهما ضعيف جداً، الخطأ هنا بالتعاقد معهما قبل اختبارهما، والخطأ الأكبر بصرفهما قبل الحصول على براءة ذمة منهما، والشبهة قائمة في السماسرة الذين قدموهما للنادي مع غيرهما من اللاعبين، وللأسف فإن كل اللاعبين المحترفين الذين تعاقدوا مع أهلي حلب في الموسمين الماضيين كسبوا مبالغ إضافية سواء عبر فسخ العقود بالتراضي أو عبر محكمة الكاس، ولا ندري السبب في ذلك هل هو الجهل أم إن هناك وراء الأكمة ما وراءها؟
أيضاً إدارة النادي الجديدة بدأت بتصفية الديون لهذا وذاك، منها الفنادق والمطاعم والشركات وغيرها ومنها مؤسسة التأمينات الاجتماعية، أمام هذا الدين الكبير على نادي أهلي حلب نسأل عن سبب ذلك، ولماذا كل هذه الديون على النادي، ومن يتحمل مسؤولية كثافة الدين وتراكمه، وأمام هذه التراكمات الكثيرة المزعجة ألا يحق لنا أن نسأل: هل من المنطق أن ترحل الإدارة الماضية دون أدنى سؤال عن هذه الديون وعن الضرر الذي سببته للنادي؟
والكلام نفسه ينطبق على نادي الوحدة حيث أن الإدارة الجديدة استلمت النادي وعليه أكثر من خمسة مليارات ليرة سورية كديون وقضايا كثيرة هنا وهناك، ولا أحد يحرك ساكناً لحساب من دمر النادي وخربه، وهذا يخالف المنطق والواقع والقانون، وعلى العكس نجد أن من أضرّ بالنادي يسرح ويمرح اليوم وينصب المكائد للإدارة الجديدة سراً وعلناً وبكل الطرق المتاحة الشرعية وغير الشرعية.
وإذا بقيت أنديتنا مستباحة بهذا الشكل فهي مشكلة المشاكل، وإذا كان الوضع واضحاً بصورة أهلي حلب والوحدة، فهناك صور أخرى قد تختلف بعض الشيء لكنها تحكي قصصاً سوداء في الأندية نتيجة سوء التصرف وسوء الإدارة والجهل بالقرارات، وعلى سبيل المثال فإن الفشل الذريع الذي رافق مسيرة نادي الساحل في الموسم الماضي خير دليل على سوء الإدارة والترهل، وضعف الأداء أدى إلى هبوط رجال وشباب النادي إلى الدرجة الأدنى، وانسحاب الفريق الأولمبي من الدوري، ولا يوجد وصف ينطبق على مسيرة الساحل بالدوري الممتاز في الموسم الماضي فقد قدم النادي أسوأ ما يمكن تقديمه على الصعيدين الإداري والمالي وعلى الصعيد الفني ايضاً، وعند سؤال أصحاب الشأن قيل لنا إن ما تم صرفه هو من أموال الداعمين والمحبين وليس من المال العام!
ونجد في هذا الجواب غلظة وسوء تقدير، وإذا كان فعلاً مال الداعمين والمحبين، فإن سوء الإدارة ستجعل هؤلاء ينصرفون عن الدعم لأنهم سيشعرون أنهم لم يدفعوا مالهم في المكان الصحيح، وبذلك سيخسر النادي ثقة جمهوره وداعميه جراء إدارة لم تستطع قيادة النادي نحو المكان الصحيح.
ونجد أن قصة نادي الفتوة محزنة وإن أخذت منحى مختلفاً، فالإدارة الراحلة أنهت النادي وقتلته بعدم فهمها للرياضة وهذا من مساوئ الاعتماد على إدارات تملك المال ولا تملك الخبرة وحسن الإدارة، وكأننا أمام إدارة كانت تعمل لاسمها ولا تعمل لمصلحة النادي، فحققت ما تريد على صعيد مصالحها الشخصية ووصلت إلى مكان لم تحلم أن تصل إليه لولا جماهير النادي، ولولا جماهير النادي لم يحقق رئيس النادي السابق كل ما يتمنى، وعندما وصل إلى غايته وأهدافه ترك النادي يصارع الموت، وهو اليوم في حالة يرثى لها من الإهمال والضياع.
في هذا المقام يطول الكلام، لكن العبث بالأندية لا يجوز ويجب أن تكون هناك محددات للعمل يمنع تجاوزها، فلا يعني أن يكون النادي الرياضي مؤسسة مستقلة مالياً لها شخصيتها الاعتبارية أن يسرح ويمرح القائمون عليها كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا، والمفروض أن تكون عين الرقابة ساهرة على كل الأعمال ومدققة لكل القرارات، وأن تحاسب الإدارات على كل تصرفاتها وكل قراراتها الخاطئة.