روز اليوسف.. حمامةٌ تطوف بنا في بحور قصائدها
حسن يوسف فخّور
ما إن تقف على المنبر بهيئتها الناعمة، الشَّعر الأشقر والملامح الطفولية سنراهن على سماع -إنْ استطعنا سماع صوتها الخجول- مشاعرَ جميلةً بقافيةٍ واحدةٍ وعباراتٍ ركيكةٍ، كما نتوقع من تجربة أي فتيٍ في الأدب عموماً والشِّعر خصوصاً، حتى تنطقَ مرتلةً قصائدها بصوتها الواثق المتزن، تمطرُ على مسامعنا عباراتها الرشيقة، تروي لنا حكاياتها مع الحياة مُشبِعةً ذائقتكَ العطشى للجمال.
روز اليوسف، حفيدة عشتار إلهة الحب والجمال، جارة البحر التي عشقت الأدب منذ طفولتها، أخذت من الأولى الرفعة والأنفة، ومن البحر سعة العلم والثقافة، فأبحرت منذ سنيها الأولى في بحور الشِّعر وعَروضه برعايةٍ من الشاعر إبراهيم منصور، أخذ بيدها إلى عوالم الشِّعر وسحره، فتحَ لها أفقاً واسعاً في مجال الأدب، وترك بصمةً لن تنساها، فكتبتْ أول قصيدةٍ لها على البحر البسيط، أقربُ البحورِ إلى قلبها لتوالي أسبابه وانبساطها في مستهلّ تفعيلاته السباعية التي تخلق رنّةً جميلةً، فالشِّعرُ حرفةٌ لابدّ له من الاستنادِ إلى قواعد معيّنةٍ تضبطه، ولا تحدّ من جماله، والشِّعر نتاجُ موهبةٍ ومعرفةٍ، أمّا الاعتباطية والعشوائية فلا تصلح للأدب والشِّعر بقناعتها.
ترعرعت روز -التي أنهت دراستها الثانوية العامة الفرع العلمي بنجاح- في بيتٍ محبّ للعلم والأدب، يضجّ بالمشاعر المرهفة والأفكار المتّقدة، فقرأتْ تجارب الشِّعر العربي، بأنواعه وأزمانه المختلفة، وتأثرتْ بشعراءَ معاصرين، ما تركَ أثره على تجربتها الغنية ببصماتهم المختلفة، مؤمنة بمقولة “داخل كل شاعرٍ مجموعةٌ من الشّعراء”.
عشرة أعوامٍ بريئةٍ حملت روز الطفلة الشغوفة إلى المسرح للوقوف أمام الجمهور بحبٍ تغلب على خوفها، وما تزال تلكَ الطفلةُ تتقبل الآراء المختلفة والانتقادات بصدرٍ رحب محاولةً التعلّم منها، وتواجه الصعوبات بامتنان وقوفها مع كبار المثقفين والأدباء، فالمسرح رفيق عمرها الطريّ من اللاذقية إلى دمشق، مستقلةً بعلاقتها معه رافضةً الانضمام لأي فريقٍ أو نادٍ أدبي، في الوقت الحالي على الأقل.
الإعجابُ حيناً والاستغراب أحياناً هي النظرات التي يقابل الكبار بها شغف روز الطفلة، بينما يراها أبناء جيلها جدّيةً نمطيةً مكتئبة تدمن القهوة، النظرة التي يعانيها الموهوبون في مجتمعنا، مؤكدةً بكل براءةٍ أنها اجتماعيةٌ مرحةٌ، وتحب الحياة، وتشرب المتة، وتسمع أنماطاً مختلفةً من الأغاني، متأسفةً على ما نشهده اليوم من تراجعٍ فكري للشباب، واهتمامهم بالقشورِ دونَ الجوهر.
تفضّل روز الشِّعر الفصيح تفعيلةً كان أم موزوناً، لكن لا بد لها من شِعر العامية بين الحين والآخر، فهي ابنة الريف الغني بتجاربه العريقة والجميلة في العتابا والميجانا والقرادة وغيرها، وعن إصدار أول لها تقول إنّ الحديثُ ما يزال مبكراً، وإنها ما تزال في طور التّعلم ومحاكاة بعض القصائد أحياناً، والسعي إلى التفرّد بأسلوبها الخاص، متحررةً من قيود الآخرين قبل ذلك، فالشِّعر كما تحياه روز موهبةً تصقلها بالقراءاتِ المستمرّة واكتساب الخبرة، في محاولة تطوير فكرها لإحياء أسلوبٍ جديد، فهي تؤمن بأنّ الشَّاعر المبتدئ سيكتبُ قصيدةً أولى جميلة، وإذا لم يجتهد بالتعلّم، سيكرر نفسه، ويضعها بقالبٍ جامدٍ يطفئ بها جذوة أفكاره.
الموسيقا والأدب وجهان لحياة واحدة، هذا ما تؤمن به روز الشّاعرة وعازفة الكمان، صديق طفولتها الأول، والتي آثرتْ رفقة العود أيضاً منذ أعوامٍ حديثة، فالموسيقا بالنسبة إليها كونٌ آخر، لابدّ لها من دمجها مع الأدب يوماً ما عند تمكّنها منهما بشكلٍ جيّد أكثر، هذا ما ختمت به قصتها.
ويختصر الشاعر إبراهيم منصور حكايته مع طالبته النجيبة بالقول: “تجربتي مع الشّاعرة الواعدة روز اليوسف تعود إلى الفترة التي كانت فيها على مقاعد الدراسة، أذهلتني حقيقةً بقوة شخصيتها وذكائها المتفرّد وقدرتها على تناول شتى القضايا بطريقة مختلفة وأوسع رؤيا من زملائها وزميلاتها، وأكثر ما لفتني فيها منذ البداية تنوعُ طاقاتها الإبداعية، فهي تعزف على أكثر من آلةٍ موسيقيةٍ، كما أنها تكتب الشِّعرَ بطريقةٍ احترافيةٍ -تقريباً- منذ البداية، ساعدها على ذلك إتقانها لعلوم العَروض والنحو والصرف، أتوقع لها مستقبلاً حافلاً بالإبداع والجمال، ومن حُسن حظنا أنّنا على موعدٍ مع شاعرة ستقلب الطاولة علينا جميعاً”.
ونختم ببعض ما نظمت روز اليوسف:
تَنأى بِحُبّكَ ذاتي عَنْ مَساوِيها
وأدركُ الصّحوَ مِن سُكْرِ الهوى فيها
أطوفُ نحوَكَ بالبيتِ العتيقِ جوىً
بكلّ صوبٍ أرى نفساً تداريها
وإنْ تعاليتَ عنّي زدتَني كرَماً
كي تُرجِعَ النّفسَ من تيهٍ وتُدنيها
يا كُلّ حُسنٍ ويا أيني ويا زَمَني
ماذا أقولُ وروحي الوصفُ يُضنيها؟.