البعث أونلاينالصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعث

الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب: مجلسكم هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً

دمشق-سانا

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن مجلس الشعب هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، مشدداً على أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل الدؤوب والإنجاز والإثمار.

وأوضح الرئيس الأسد في خطاب أمام مجلس الشعب بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس أن الأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان، وتأتي الحروب لتظهر هذه الحالة من الضعف وحدتها، وعلينا أن نبحث في عمق توجهاتنا الاقتصادية التي اتبعناها على مدى عقود وتحديد الحلول الأكثر مناسبة والأقل ضرراً لنا في سورية.

وأشار الرئيس الأسد إلى أن الوضع الراهن متأزم عالمياً، وانعكاساته علينا تدفعنا للعمل بشكل أسرع لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن آلام الجروح من طعنة صديق، وبهذا تعاملت سورية مع المبادرات بشأن العلاقة مع تركيا والتي تقدم بها أكثر من طرف “روسيا وإيران والعراق”، مبيناً أن أي عملية تفاوض بحاجة إلى مرجعية تستند إليها كي تنجح، وعدم الوصول إلى نتائج في اللقاءات السابقة أحد أسبابه هو غياب المرجعية، واستعادة العلاقة تتطلب أولاً إزالة الأسباب التي أدت إلى تدميرها ونحن لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا، وسورية تؤكد باستمرار ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلها ووقف دعمها للإرهاب.

وشدد الرئيس الأسد على أن أبناء الجولان السوري المحتل قدموا لنا الكثير من العبر فبرهنوا أن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض، وأثبتوا أن انتماءهم متجذر وأرواحهم لا تحيا إلا لسورية، مؤكداً أن المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق واليمن قدوة وأنموذج ومثال نقتدي به في طريق التحرير والكرامة والشرف والاستقلال الناجز.

وفيما يلي النص الكامل لخطاب الرئيس الأسد:

“السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب الكرام أهنئكم ببدء أعمال الدور التشريعي الرابع وبنيلكم ثقة ناخبيكم للتشرف بخدمتهم، ولنتذكر بداية أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل الدؤوب وبالتواصل المستمر وبالإنجاز والإثمار، وإذ تبدؤون مهامكم وسط حراك تطويري بمؤسسات الدولة، فإن تأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، بحكم العلاقة الوثيقة بين مؤسسات الدولة، ومجلسكم هو المؤسسة الأهم لانعكاس أدائها على مؤسسات الدولة كافة، وبذلك على المواطنين عامة، لذا فإن تطوير أنظمته وآليات عمله هو أولوية أولى تستند إليها بقية الأولويات.

التطوير يبدأ بتصحيح المفاهيم العامة التي تشكل القاعدة الأساسية لعمل المؤسسة، والتي بغياب فهمها على المستوى الوطني العام سيبقى السؤال القديم الجديد ماذا فعل المجلس؟ ولماذا لم يفعل المجلس؟ دون جواب، فالحصانة التي يتمتع بها أعضاء المجلس هي وقاية لهم من أي تأثير يعيق مهامهم الدستورية والقانونية، هي ليست امتيازاً أو استثناءً، وهي لا تعني أبداً أن يكون صاحب الحصانة فوق القوانين والأنظمة، بل تعني أن يكون الأعضاء سباقين إلى تطبيق القوانين والخضوع لها، باعتبارهم مسؤولين عن إصدارها وسلامة تطبيقها، أما الرقابة وهي جوهر عمل مجلسكم فلا يمكن أن تتم من دون مرجعية تستند إليها، وأنا لا أقصد المرجعيات التشريعية كالدستور أو قانون مجلس الشعب، وإنما أقصد المرجعيات الإجرائية التي تحدد طبيعة العلاقة بين المجلس وبين بقية المؤسسات وخاصة في السلطة التنفيذية، وفي مقدمة هذه المرجعيات السياسات التي تقترحها تلك المؤسسات والتي يصادق عليها مجلس الشعب.

الرقابة ليست حالة مؤقتة أو مزاجية أو رأياً شخصياً، بل هي أداة منهجية ثابتة من أجل قياس الأداء وقياس الإنجاز، هناك الكثير من المؤسسات التي تعمل بحسب الأنظمة والقوانين التي تحكمها، وقد لا يكون هناك أي خلل في عمل هذه المؤسسة إذا أردنا أن نقيس الأداء، لكن حسن الأداء لا يعني الإنجاز، لذلك هناك فرق بين الأداء والإنجاز.. ماهي مرجعية الأداء بالنسبة لكم كمجلس شعب؟.. هي القوانين والأنظمة، إذا كان هناك خلل يتدخل المجلس من خلال آليات الرقابة، أما إذا كان هناك عدم إنجاز فعلينا أن نسأل ماهي السياسة المتبعة بالنسبة لهذه المؤسسة، هناك رؤية، هناك سياسة تنبثق عن الرؤية، هناك خطط تنبثق عن السياسة، وهناك أهداف المطلوب أن نصل إليها.

هذه السياسات هي مرجعيتنا كمجلس شعب بالنسبة للرقابة تجاه السلطة التنفيذية، فإذاً الرقابة تكون على المؤسسات، أما المحاسبة فتكون للمسؤولين في حالة التقصير، هذا يعني من خلال ارتباط الرقابة مع المحاسبة، إذا لم يكن هناك آليات سليمة للرقابة فلا يمكن أن تكون هناك آليات سليمة للمحاسبة، هذه النقطة نقطة هامة طبعاُ – نتحدث لاحقاُ عن النظام الداخلي الذي يحدد كل هذه الأمور – وكلاهما الرقابة والمحاسبة مسؤولية قبل أن يكونا سلطة، فالسلطة من دون مسؤولية تؤدي إلى الخراب، والمسؤولية من دون معرفة تؤدي إلى الفوضى، وأنتم تحملون مسؤولية مناقشة السياسات والإستراتيجيات والخطط انطلاقاً من معرفة أسبابها وسياقها ونتائجها وضررها وكيفية الإفادة منها، أنتم تحملون مسؤولية مناقشة الرؤى انطلاقاً من امتلاككم لرؤى، كل ذلك يتطلب منكم اعتماد آليات عمل منهجية واضحة تمنع العمل الفردي على حساب المؤسسي، والشخصي على حساب العام، والشعبوي على حساب الوطني، والارتجالي على حساب العلمي المبني على أسس واضحة سببية معللة، فلا يجوز أن نناقش الإجراءات والخطط ونحن لم نناقش أو نقر السياسات والإستراتيجيات التي تحكمها وتؤطرها، والتي من دونها ستكون الخطط والإجراءات عبارة عن حالة عشوائية، غير منسجمة، لا متجانسة، تضر أكثر مما تنفع، بغض النظر عن صحتها أو خطئها، عندما يأتينا شخص بفكرة محددة، فكرة جيدة، فكرة صحيحة.. نتحمس ونندفع ونؤيد ونشجع، وإن كنا في موقع رسمي نصادق ونوافق، لكن نكتشف بعد فترة من الزمن أن هذه الفكرة الجيدة والصحيحة لم تحقق نتائج، وربما حققت نتائج عكسية، لماذا؟ لأننا لم نسأل السؤال البسيط البديهي، ما هي السياسة التي تظلل أو التي تشكل المظلة أو المصدر أو الراعي لهذا الإجراء؟.

هناك مئات الإجراءات ربما آلاف الإجراءات.. ما الذي يربط بين تلك الإجراءات؟  ما الذي يمنع التناقض بينها؟ ما الذي يحقق التكامل بينها؟… هو السياسات، وبالتالي عندما نذهب الى إجراء مفرد مهما يكن هذا الإجراء صحيحاً فهو إجراء بأحسن الأحوال غير فعال، لذلك علينا أن ننطلق دائماً من السياسات وليس من الخطة ولا من الإجراء، السياسات والرؤى هي أهم شيء نركز عليه في علاقتنا مع السلطة التنفيذية،  ولا يجوز وهذه نقطة هامة، لا يجوز إقرار السياسات التي تقترحها السلطة التنفيذية قبل البحث مع مسؤوليها بتوفر الأدوات الضرورية لتنفيذها لأن ذلك يؤدي لهدر الوقت في انتظار نتائج لن تأتي، وبالتالي تمنعون حدوث التقصير مسبقاً وهدر الوقت لاحقاً، وتقطعون الطريق على تقديم وعود لا يمكن للمسؤول الإيفاء بها، مع ما يخلقه ذلك من خيبة على المستوى العام، أيضاً بحكم الظروف وربما بحكم الطبيعة، أي واحد فينا يميل إلى سماع الكلام المطمئن، الكلام المليء بالأمل، الكلام الوردي، ولكن بعد فترة أيضاً هذا الكلام لا يتحقق، من جانب آخر المسؤول يميل لإرضاء الأطراف المختلفة سواء كانت مجلس  شعب أو مواطنين أو غير ذلك، وبنفس الوقت أيضاً هذا المسؤول ربما لا يحب النقد لا يريد أن يسمع لنقد، دور مجلس الشعب في هذه الحالة هو أن يسأل عن الأدوات، عندما يصادق مجلس الشعب أو يوافق سواء بإصدار قانون أو بإقرار سياسة أو مشروع أو غير ذلك من دون أن يسأل عن الأدوات ولا تنجح السلطة التنفيذية بالتنفيذ يصبح مجلس الشعب حاملاً لمسؤولية التقصير مع السلطة التنفيذية لأن الاقتراح والمصادقة هما وجهان لمسؤولية واحدة.

إذاً.. لننطلق في كل ما سبق من مناقشة السياسات العامة أو الكلية للحكومة ثم القطاعية المنبثقة عنها في السياسات الوزارية ولنبنِ نقاشاتنا على تشخيص دقيق للواقع والأسباب، والتشخيص أساسه الوضوح والشفافية، فمعظمنا يعيش اليوم في خضم تساؤلات حول الوضع المعيشي حول كيفية الخروج من الوضع الراهن، حول الحاضر والمستقبل، والأولوية في هذه الحالة وفي مثل هذه الظروف ليست للطمأنة ورفع المعنويات على أهميتها بل لشرح الواقع كما هو ودون تجميل وتحليله وطرح الحلول الممكنة، فلا شيء أخطر علينا اليوم من اتباع سياسة الهروب إلى الأمام وإنكار الواقع بدلاً من مواجهة التحديات ومعالجة المشكلات، وواقعنا اليوم هو بالإضافة إلى نتائج الحرب المعروفة بالنسبة لكم، نتيجة تراكمية لعقود من السياسات العامة في مختلف القطاعات، لذلك لا يمكننا الخوض فيه وتغيير هذا الواقع من دون ربطه بما سبقه من مراحل، طبعاً ربما يقول أي شخص خاصة أصحاب النوايا السيئة بأنني خرجت وأدنت المرحلة السابقة، أو المراحل السابقة، أو حمّلت مسؤولية كل المشاكل التي نمر بها على الماضي، لا.. هذا الكلام غير صحيح، لأن الحاضر هو ابن الماضي، الحاضر هو نتيجة الماضي، الحياة هي سياق مستمر، لا نستطيع أن نتحدث عن الحاضر بشكل مجرد ومنفصل عما سبقه ولا عما سيليه.

بنفس الوقت الأزمات الكبرى الوطنية على مستوى بلد، على مستوى أمة، إلى آخره لا تأتي فجأة، ولو ظهرت فجأة، هي حالة تراكمية لعوامل عديدة هي التي تؤدي إليها وبالتالي لا بد من مناقشة الماضي بنفس المقدار الذي نناقش فيه الحاضر، لكي نعرف أين كنا وأين أصبحنا ولماذا وصلنا إلى هذا المكان وإلى هذا الواقع، وهذا الربط بين الماضي والحاضر يساعدنا على التمييز بين الأسباب الموضوعية والأسباب غير الموضوعية، الأسباب الموضوعية أولاً هي التي لا نحمل مسؤوليتها بشكل مباشر هي أكبر من طاقة البلد، كالحرب.. كالحصار.. كالإرهاب.. كالسياسات القديمة على مدى عقود.. على مدى أجيال، التضخم العالمي الذي يضرب في كل مكان الآن ولا تستطيع دولة لا غنية ولا فقيرة أن تهرب منه، وارتفاع الأسعار، والأسباب غير الموضوعية المتعلقة بتقصير المسؤولين في السلطة التنفيذية.

فالأسباب مختلفة لا يمكن أن نعالجها بطريقة واحدة كما نفعل اليوم، كل سبب من الأسباب له طريقة للمعالجة، فمن الضروري أن نشخص، ومن الضروري أن نميز بين هذه الأسباب، أما عن الأسباب فمعظمنا يفترض أن الحرب والحصار والإرهاب هي المسببة للوضع الراهن وهذا صحيح، لكنه غير كاف، لا نستطيع أن نقول الحرب هي المشكلة، وبنفس الوقت طالما أننا لا نستطيع أن نعالج كل شيء تحت عنوان الحرب والإرهاب والحصار، فنحن لا نستطيع أن نعالج كل شيء تحت عنوان الأخطاء للمسؤولين، لا الأولى صحيحة ولا الثانية صحيحة، فالأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان، تأتي الحروب لكي تظهر هذه الحالة من الضعف وتفاقم حدتها، ولكي نبحث في أسباب نقص المناعة علينا أن نبحث في عمق توجهاتنا الاقتصادية التي اتبعناها على مدى ستة عقود، طبعاً البعض من هذه السياسات أكثر من ستة عقود، سبعة عقود تقريباَ.. منذ الخمسينيات تقريباَ، فهل كانت تلك التوجهات مناسبة لمجتمعنا؟ هل كانت مناسبة لظروفنا؟ متى كانت مناسبة؟ متى لم تكن مناسبة؟ وإذا كانت مناسبة فهل كانت مناسبة من دون ثمن؟ هل كانت مناسبة من دون سلبيات على الهامش؟ هل كان ممكناً تلافي تلك السلبيات بنفس تلك السياسات التي كانت قائمة في ذلك الوقت؟ وأسئلة كثيرة على هذا المنوال لكي نعرف أين تكمن المشكلة؟ من وجهة نظري السياسات طبعاً كانت مناسبة وكانت صائبة، لكن هل هناك شيء مطلق في الحياة؟ هل هناك شيء مطلق لكل زمان ومكان.. هذا الكلام غير ممكن، لو تحدثنا عن سورية خلال ستة عقود أو سبعة عقود، فهي تغيرت تغيرات جذرية لا حدود لها باتجاه الأمام.. تقدم؟ تراجع.. أقصى اليمين وأقصى اليسار.. صعوداً وهبوطاً.

 

يتبع….