الخطاب الفصل
أحمد حسن
كعادته، وبكلمات دقيقة ومباشرة، وضع السيد الرئيس بشار الأسد، في خطابه بالأمس بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع لمجلس الشعب، الجميع – في الداخل والخارج – أمام الحقائق التي يحاول البعض التعمية عليها أو تجاهلها، وأمام المسؤوليات التي يفرض بعضها الموقع التشريعي أو التنفيذي بالنسبة لمن توجّه إليهم بالداخل، ويفرض بعضها الآخر، بالنسبة لمن توجّه إليهم بالخارج، دورهم في ما آلت إليه الأمور، وبالتالي مسؤوليتهم عن تصحيحها وإعادة العجلة إلى سكتها الطبيعية.
بهذا المعنى، كنا بالأمس أمام خطاب مفصليّ سواء في تحديده، بالخطوط العريضة والتفصيلية، معالم الطريق أمام كل مؤسسة داخلية، تشريعية كانت أم تنفيذية، لاستعادة فعاليتها وديناميكيتها لمواجهة المرحلة القادمة، أو في إعادة تأكيده، وبالخطوط العريضة والتفصيلية أيضاً، على الثوابت السورية المعروفة في المحافظة على السيادة والحقوق المشروعة، بما ينير أمام الآخرين أضواء “الشارع السوري المستقيم”، ويساعدهم في الخروج من شباك رهاناتهم وأوهامهم التي بنوا عليها سياسات اتضح سريعاً أنها لم تضّر بسورية، بل إنها انعكست سلباً على حاضر شعوبهم ومستقبلها أيضاً.
وبهذا المعنى، أيضاً فإن الرئيس الأسد، الذي كان يخاطب “المجلس” وأعضاءه، كان يخاطب عبرهم مؤسسات الدولة كلها، لأن بدء مهام أعضاء المجلس الجديد “وسط حراك تطويري بمؤسسات الدولة” لن يكون له أثر ملموس “إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، بحكم العلاقة الوثيقة بين مؤسسات الدولة، ولأن “المجلس هو المؤسسة الأهم لانعكاس أدائها على مؤسسات الدولة كافة، وبذلك على المواطنين عامة، لذا فإن تطوير أنظمته وآليات عمله هو أولوية أولى تستند إليها بقية الأولويات”، وهذا كلام ينطبق على جميع المؤسسات الأخرى، وهو ما يفترض بنا الإجابة على الأسئلة الشهيرة: لماذا؟ متى؟ وكيف؟.. لأننا اليوم أمام تحدي الأسئلة والخيارات الصعبة، “وتأجيل النقاش بهذه الأسئلة الصعبة كما كنا نفعل دائماً حوّلها إلى وحول أقعدتنا.. شلتنا.. منعتنا من التفكير ومنعتنا من الحركة ولم نعد قادرين على الخروج منها”، ما يعني أنه “لا بد من مناقشة الماضي بنفس المقدار الذي نناقش فيه الحاضر، لكي نعرف أين كنا وأين أصبحنا ولماذا وصلنا إلى هذا المكان وإلى هذا الواقع؟”، فالمعرفة قوة “تساعدنا على التمييز بين الأسباب الموضوعية والأسباب غير الموضوعية”، وذلك هو بداية الطريق لحلّ أي معضلة تصادفنا بالحوار والنقاش الضروري والملحّ والذي يطال كل شيء حتى السياسات الصحيحة فأن “تكون هذه السياسات صحيحة شيء وأن تتحول إلى مقدسات ومحرمات يمنع النقاش بها ويمنع المساس بها شيء آخر”.
وإذا كان ذلك بعض ما فصّل به السيد الرئيس تحديّات الداخل، فإنه، وانطلاقاً من مبادئ ومصالح سوريّة بحتة، وعلى أسس الثوابت المعروفة، فصّل أيضاً في مسألة التعامل مع المبادرات التي طرحت بشأن العلاقة مع تركيا مبدّداً “الغيوم” التي يسعى البعض، في تركيا، لتعميمها تحت عناوين عدّة، فنحن، في سورية، جادين في إنجاح هذه المبادرات لأن “الوضع الراهن المتأزم عالمياً وانعكاساته علينا يدفعنا للعمل بحركية أسرع من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن مشاعر الأسى وآلام الجروح من طعنة شقيق أو غدر صديق”، لكن ولأنه “لا يمكن الحصول على نتيجة دون التعامل مع السبب”، فإن “أول الحلّ هو المصارحة لا المجاملة تحت عنوان المصالحة.. أول الحل هو تحديد موقع الخطأ لا المكابرة، إذ كيف يمكن معالجة مشكلة لا نرى أسبابها الحقيقية؟”.
خلاصة القول، ذكّر السيد الرئيس أعضاء المجلس، وسواهم في الداخل، “أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل الدؤوب وبالتواصل المستمر وبالإنجاز والإثمار”، كما ذكّر الخارج بأن “استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولاً إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة، وهذا يتطلب التراجع عن السياسات التي أدت إلى الوضع الراهن، وهي ليست شروطاً، وإنما هي متطلبات من أجل نجاح العملية”…وذلك هو فصل الخطاب.