محَصِّلات
عبد الكريم النّاعم
قال له بعد السلام: “عساك بخير؟”.
أجابه بعد تنهّد خفيف: “قد نكون بخير، إذا قارنّا أنفسنا بالأموات”.
قال: “هل من جديد؟!!”.
أجابه: “إنّه الجديد القديم، هو جديد في لحظته، قديم بعد ما لا نعرف من الساعات”.
قال: “هل أستطيع القول إنّي لم أفهم؟”.
أجابه: “بالنسبة إلينا في هذه المنطقة خاصة، كلّ الأزمنة متعلّقة بما يجري في الأرض المحتلّة، فمجازر العدو تلاحقنا ما دامت الكهرباء موجودة، فإذا انقطع التيار لاحقتنا صور تلك المجازر التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً”.
قاطعه: “هل تعني بقولك إنّه لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، وقد حفظت لنا كتب التاريخ مجازر وإبادات تشبه ما نراه اليوم”.
أجابه: “كان ذلك يجري في بقاع من الأرض فلا يسمع بما جرى بقيّة سكّان العالم، إلاّ بعد مرور زمن قد يطول، أنا أعرف أنّ هولاكو وجنكيز خان قد أحرقا مدناّ بكاملها، بما فيها من سكّان وحيوانات، لكنّ ما يجري الآن يراه سكّان هذا الكوكب من شماله إلى جنوبه، ومِن شرقه إلى غربه، وهذا له مؤشّرات خطرة على المديين القريب والبعيد، ويزيد في آلامنا، حتى أصبحنا لا نرى فيها إلاّ الدماء وأشلاء الجثث، والخراب، ورؤية المشرّدين الذين لا مأوى لهم، ولا نسمع إلاّ أصوات القنابل وصراخ الأصوات المستغيثة”.
قاطعه: “تُرى أليس في جبهة العدوّ أيضاً من يصرخ ويستغيث؟”.
أجابه: “ثمّة شيء من هذا، والفارق بين “نحن” و”هم” فارق نوعي، هم أصلاً احتلوا أرضاً ليست لهم وشرّدوا شعبها، ونحن المشرَّدون، والمطرودون، والمقصوفون، وهذا يجري منذ أكثر من سبعين عاماً”.
قاطعه: “هل أفهم أنّها حرب عبثيّة مفروضة علينا؟”.
أجابه: “أنا لم أقل ذلك، بل إنها حرب وجوديّة”.
قاطعه: “هم يقولون إنّها حرب وجوديّة بالنسبة إليهم، فهل هي وجوديّة أيضاً بالنسبة إلينا؟”.
أجابه: “بكلّ تأكيد، هم يعنون بالوجوديّة أنّهم إذا خسروا سيُقتلَعون من المنطقة كما اقتُلعت غزوات الغرب الأولى، المسمّاة بالصليبية، ونحن إنّ لم ننتصر سيحوّلوننا إلى عبيد، وسوق تصريفيّة لبضائعهم ومنتجات مسانديهم من حكام غربيّين، وسيرسمون لنا كيف نتحرك، ونتعلّم، وحتى كيف نصلّي، فما قيمة حياة العبيد؟!!”.
قال: “ألا يلفتك هذا الحراك المحتجّ لدى جمهور البلدان الغربيّة، في أوروبا، وفي أمريكا الشماليّة، فهل ترى له من تأثير؟”.
أجابه: “هذا أفرزه صمود المقاومين، ولم ينتج عن صحوة ضمير حكام الغرب، فحكّامه تبَع لواشنطن وللإرادة الصهيونيّة، بحكم عوامل متعدّدة، وكلّها عوامل لا علاقة لها لا بالأخلاق، ولا بالضمير”.
قاطعه: “ما سرّ هذا التعاطف البشري، لأهل تلك البلاد، مع قضيتنا في فلسطين؟”.
أجابه: “أنت تعلم أنّ التربية والتعليم في تلك البلاد تعتمد الليبراليّة الحديثة، وكان سكّان تلك البلاد لا يعرفون عن القضيّة الفلسطينية إلاّ ما يبثّه الإعلام الغربي، بمواقعه الثقافيّة، وحين شاهدوا تلك المجازر استيقظ وجدان بعضهم، وتلك استجابة عفويّة صادقة، وقد تعمل حكومات الغرب في المستقبل للحدّ منها بطريقة ما، لأنّها لا تنسجم مع مصالح ورغبات تلك الدول”.
قاطعه: “لماذا لم نرَ في معظم مدن العرب والمسلمين مثل ما رأينا في الغرب من احتجاجات شعبيّة؟!!”.
تنهّد بحزن وقال: “هذا حديث يطول، لذا لن أتحدّث فيه الآن على الأقلّ، والتظاهرات التي شهدناها في بعض المدن العربية والإسلاميّة هي أقلّ بكثير من المطلوب”.
قاطعه: “هل لديك تصوّر أو قراءة كيف سينتهي هذا الاشتباك؟”.
أجابه: “لا، ليس لديّ أيّ تصوّر، لكنني أثق بحلف المقاومة، وأثق بكفاءاته، وقدراته، وفي أسوأ الحالات لن ينالنا المكروه وحدنا”.
aaalnaem@gmail.com