اطلبوا السلام ولو في الصين
بينغ شين
في يوم 23 تموز الماضي، اجتمع ممثلو الفصائل الفلسطينية الرئيسية الـ14 في بكين، حيث وقعوا على “إعلان بكين” لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
إن هذا المشهد يذكرنا بالمصالحة بين السعودية وإيران باعتبارهما خصمين قديمين واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بفضل الوساطة الصينية في بداية آذار عام 2023، وما أتى بجولة جديدة من تحسن العلاقات بين دول المنطقة. تبعد الشرق الأوسط عن الصين حوالي عشرة آلاف كيلومتر، ولم تكن الصين من اللاعبين الرئيسيين في هذه المنطقة في التاريخ، فلماذا أصبحت الصين مرتبطة دائماً بأحداث المصالحة الأخيرة في الشرق الأوسط؟
الجواب الأول يكمن في اهتمام الصين بالمصداقية ووفائها بالوعود، فقد أشارت التعليقات الصادرة عن الكثير من وسائل الإعلام إلى أن “إعلان بكين” يرمز إلى التأثيرات المتزايد للحكومة الصينية في الشرق الأوسط. كما لا يمكننا أن ننفي أن التأثيرات الصينية المتزايدة في العالم كانت سبباً مهماً وراء قيام الفصائل الفلسطينية باختيارها كطرف الوساطة، غير أن السبب الأكثر جوهرية يرجع إلى حصول موقف الصين من شؤون الشرق الأوسط على ثقة فلسطين وغيرها من دول الشرق الأوسط.
لقد قال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي الذي شارك في حوار بكين ووقع على “إعلان بكين”: إن “سبب عقد الحوار في بكين يرجع إلى أمانة الصين وصدقها وقيامها بتوفير المساعدة لنا دون التدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية”. وأشار الأستاذ في الدراسات الدولية بجامعة بيرزيت غسان الخطيب في تعليقه إلى أن ميزة الصين في الوساطة تكمن في احترامها لجميع الفصائل الفلسطينية دون معاداة أي واحد منهم.
والجواب الثاني يكمن في التزام الصين بالعدالة، حيث تلتزم الصين دائماً بالعدالة والإنصاف وتدعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وتدعم حل القضية الفلسطينية سياسياً. كما تساعد الصين الشعب الفلسطيني دائماً بصدق ونزاهة، خاصةً منذ اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في يوم 7 تشرين الماضي، حيث عملت الصين بنشاط لوقف إطلاق النار ومنع القتال، وأصدرت “ورقة موقف لجمهورية الصين الشعبية عن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” لتوضيح موقف الصين ومبدئها، وساهمت في دفع مجلس الأمن الدولي لتبني أول قرار وقف إطلاق النار، وبذلت جهوداً دؤوبة في سبيل إنقاذ أرواح المدنيين الفلسطينيين. ظلت الصين تدعم فلسطين لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وتدعم الدفع بتنفيذ “حل الدولتين” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة، وإن هذا الموقف لم يتزعزع في أي لحظة من اللحظات.
أما الجواب الثالث يكمن في وحدة الصين وتسامحها، حيث تحترم الصين بشكل كامل مكانة دول الشرق الأوسط كأسياد المنطقة، وتدعم دول الشرق الأوسط لاختيار الطرق التنموية بإرادتها المستقلة، وهي لا تسعى وراء المصالح الجيوسياسية الأنانية، ولا تشكل الدوائر الضيقة الإقصائية أيضاً، وإن هذا الموقف علني وشفاف ودائم. كما لم تهدف الصين إلى كسب الشهرة أو المصالح الأنانية يوماً في ملف تعزيز السلام والحفاظ على الاستقرار، بل تعمل دائماً على تضافر الجهود مع أصحاب الرؤية المشتركة. وقد ظلت الصين تحترم الجهود الإيجابية للدول المعنية في ملف الدفع بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، ولم تتخذ القضية الفلسطينية يوماً كورقة لتعزيز تأثيراتها. وفي يوم 23 تموز، حضر بعض السفراء بمن فيهم السفراء العرب مراسم توقيع “إعلان بكين”، وأشار وزير الخارجية وانغ يي في كلمته إلى أن الصين والدول العربية والإسلامية الغفيرة تعمل نحو نفس الاتجاه والهدف في طريق الدفع بالمصالحة. وعليه إن الصين تظل تضع الوحدة الفلسطينية في عين اعتبارها، مستعدة لتعزيز التواصل والتنسيق مع جميع الأطراف بغية بذل جهود مشتركة في سبيل تنفيذ “إعلان بكين” على نحو جيد، وللعب دور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
تلتزم الصين دائماً بالسياسة الخارجية السلمية والمستقلة وتنفذها بدرجة عالية من دأب وجدية، فهي تحافظ على العلاقات الودية مع جميع دول المنطقة، ولم تتخذ المواقف المتقلبة أو تنكث الوعود، وهي تعني كل ما تقول. لذلك، أصبحت الصين وسيطاً موثوقاً به لدى جميع الأطراف. ولعل إصدار “إعلان بكين” يدل مجدداً على مدى ثقل هذا الوعد وقدرة الصين على الوفاء بوعودها.
كاتب ومحلل الشؤون الدولية في غلوبال تايمز وتشاينا ديلي