Uncategorized

“حياة الماعز” بين الجانب الإنساني والـ”بربوغندا”

تمّام بركات

يرد في المقالة التعريفية الأكثر تداولاً على الشابكة وبأكثر من لغة، الملخص الآتي للتعريف بفيلم “حياة الماعز”: “يستند الفيلم إلى قصة حقيقية عن نجيب عامل مهاجر مالايالامي، واحد من بين آلاف الهنود الذين أجبروا على العبودية في المملكة العربية السعودية، كرعاة للماعز في المزارع المنعزلة في الصحاري من قبل العرب”. وفي التعريف يرد تعميمان خطيران، أوّلهما: آلاف الهنود، وهذا تعميم مناف للمنطق وللواقع بنسبة كبيرة، أما الثاني فهو: العرب، الذين وضعوا جميعاً في خانة واحدة ووصموا بتهمة واحدة، على الرغم من أن الحالة التي يقدمها الفيلم تقع في المملكة العربية السعودية، فلا وجود للعمالة الهندية بالشكل المتعارف عليه، في سورية أو لبنان أو مصر وغيرها من الدول العربية.

“حياة الماعز” الفيلم الذي أثار زوبعة من ردود الفعل بين مؤيد لما قدمه ورافض له، يحكي قصة شاب هندي فقير، يعمل في جمع الرمال من قعر النهر في قريته وبيعه، يقرر السفر إلى السعودية للعمل فيها، أملاً بتغيير وضعه المادي، ويضطر إلى بيع بيته لتأمين ذلك، لكنه وعوضاً عن الشركة التي قيل له إنه سيعمل فيها، يقع في يدي كفيل سعودي، بعد أن يضعه كراع للماشية في الصحراء الشاسعة، وهناك يتحول تدريجياً من شاب أنيق ووسيم، إلى إنسان من العصر الحجري، حياته مهددة في كل لحظة، لا يسمح له بشرب الماء كما يريد، ولا يأكل من الطعام إلا الخبز والبقايا، ويبقى على هذه الحال أكثر من ثلاثة أعوام، حتى يقرر الهرب، ليكتشف في نهاية المطاف، أن الكفيل الذي استعبده، لم يكن كفيله أساساً، قبل أن يعود إلى بلده مُرحّلاً خاسراً كل شيء.

يقدم الفيلم أيضاً ثلاث قصص مأساوية مرافقة لقصة البطل “نجيب”، الذي لعب دوره الممثل والمنتج والمخرج الهندي “بريثفيراجسوكوماران”، وهي للرجل الهندي العجوز الذي كان يعمل عند الوكيل نفسه وفي نفس المكان، ويموت مدفوناً تحت الرمال، قبل أن تلتهمه النسور، وقصة صديق “نجيب” الذي جاء معه أيضاً ومات أثناء محاولة الهرب، والرجل الأفريقي الذي خطط لرحلة الهرب، وانتهى به الأمر ميتاً أيضاً، وهنا لا يمكن الفهم كيف لأربعة رجال يعانون ما يعانونه، ألا يستطيعوا التغلب على رجل وحيد، يقضي نصف وقته نائماً؟ ثم كيف لم يفكر أياً منهم بسرقة السيارة التي يستخدمها الكفيل والهرب؟ حسب الفيلم الرجال الأربعة كانوا تحت رحمة الموت في أي لحظة، ومن يكن هذا حاله، يقاوم الموت غريزياً، فلماذا لم يفعلوا؟ والجواب غالبا هو “هكذا يريد المخرج” أو ربما لا شعراء في الهند يوضحون أن “للحرية الحمراء باب كل يد مضرجة يُدق”، أما تكرار المصير المأساوي ذاته للشخصيات الثلاث، فهو من باب زيادة جرعة التأثير ولا يوجد أي مبرر درامي له، ما يضع “حياة الماعز” في السياق الطبيعي لسينما “البربوغندا” التي تتخذ من المنحى الإنسان متكئاً قوياً ومجرباً لها.

تسلط قصة الفيلم ـ على مأساويتها ـ ضوء الفن السابع بقوة على جانب إنساني بحت في المقام الأول، على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي تكتظ بفيديوهات فيها إساءة كبيرة من الكفلاء للعمال، وهي واقعية وحقيقية، لكن الفيلم كما أسلفنا يقدم تعميماً غير مقبول عن الحالة نفسها، وعن قومية الفاعل لا جنسيته، فلا تزال العمالة الهندية مثلاً هي الأعلى في الخليج العربي، والأمر وإن كان يحدث سواء في السعودية أم قطر أم غيرها، لا يمكن أن يكون الواقع الفعلي للعمالة الأجنبية هناك، لذا يجب أن يحرك أيضاً لدى السلطات المعنية في السعودية، ضرورة المعالجة الفورية لهذا الحال، بغض النظر عن الكم، من باب “مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً”.

يستند الفيلم الذي كتبه وأخرجه “بليسي إيبي توماس” إلى رواية “أيام الماعز” الأكثر مبيعاً لعام 2008 بقلم الكاتب المليباريدانييال بنيامين، وهي بعنوان “آدوجيفيتام” أي “الحياة الماعزية” والتي تحكي قصة واقعية وقعت تسعينيات القرن الماضي في السعودية، وإن كان بسرد مختلف عن الفيلم، ففي الرواية يقوم “نجيب” بقتل كفيله، بعد أن ذاق الويلات بسببه، وصدر لها حتى الآن خمس وسبعون طبعة في لغتها الأصلية، ما جعلها من أكثر الكتب نسخاً وتداولاً لدى القراء في كيرالا، ثم في الهند عموماً وخارجها، وهناك إقبال كبير من القراء على ترجمتها الإنكليزية والعربية، ورشحت ترجمتها الإنكليزية لجائزة Man Asian” Literary Prize” وهو من إنتاج مشترك، أحد أهم أطرافه “أمريكا”.