ثقافةصحيفة البعث

ثنائية الباصون والبيانو في أمسية مصغرة

ملده شويكاني

بدت العلاقة بين الصوت الرخيم للباصون وأبعاد أصوات البيانو، رائعة في الأمسية الثنائية التي جمعت بين عازف الباصون وفنان البازل طوني الأمير وعازفة البيانو تالار كعكه جيان في دار الأوبرا.

وقد حفل البرنامج بتنوع بين الموسيقيين والأنماط الموسيقية بين السوناتا والكونشيرتو والسيرينادا والتوكاتا، وتميزت بتوظيف تقنيات الآلتين بالعزف التقني السريع في مواضع.

وتأتي هذا الأمسية ضمن الأمسيات المصغرة التي تقيمها الدار لاطلاع الجمهور على خصائص بعض الآلات، واختيار أعمال كُتبت لها أو تم تحويلها إليها.

وفي هذه الأمسية اختار الأمير عمل كارل ماريا فون فيبر ـ حركة معتدلة السرعة وروندو هنغارية للباصون والبيانو مصنف 34، – بحركة معتدلة السرعة – إذ بدأ طوني الأمير بالباصون مع نغمات البيانو بألحان حيوية، ثم أخذ البيانو دوره بمستوى صوت قوي، ليعود إلى اللحن الرقيق مع الصوت الرخيم للباصون، تبعتها حركة روندو هنغارية تزامن فيها عزف الباصون مع البيانو، لتأتي القفلة مع البيانو.

وإلى نمط لحني آخر بعزف مقطوعة سيرينادا للباصون والبيانو للمؤلف هيتور فيلا لوبوس المستمدة من قصة شاعرية تميزت بالعزف التقني، فأخذ الباصون دوره بتوظيف تقنيات الآلة ثم بالعزف المكثف بمرافقة البيانو بالعزف السريع في مواضع، تخللتها امتدادات بألحان رائعة للباصون، ومن ثم القفلة مع تدرجات الباصون.

الفاصل بالأمسية كان بعزف تالار جيان مقطوعة توكاتا للبيانو ـ سلم مي بيمول مينور للمؤلف الأرمني الشهير آرام خاتشاتوريان تتطلب مهارة بالأداء وتخللتها ضربات قوية.

وشغلت السوناتا للمؤلف كميل سان سان ـ سوناتا للباصون والبيانو مصنف – 168- حيزاً من الأمسية من خلال أربع حركات- حركة متوسطة السرعة- حركة سريعة هزلية ـ حركة بطيئة جداً- حركة سريعة باعتدال، تميزت الحركة السريعة الهزلية بإظهار تقنيات العزف على الآلتين بمهارة، وكذلك البطيئة جداً بألحان رومانسية وعاطفية بين البيانو والباصون، ومضت الألحان بحوارية بينهما في الحركة سريعة الاعتدال.

واختُتمت الأمسية بعمل المؤلف جيري باور كونشيرتو للباصون والبيانو- الحركة الثانية حركة بطيئة فأخذ البيانو دوره بالمقدمة ومن ثم التناوب والتحاور بين الباصون والبيانو بالعزف التقني وضربات حادة في الحركة الثالثة ـ حركة سريعة بفرح- تخللتها جملة موسيقية متكررة لامتدادات الباصون.

وفي حديث طوني الأمير الأستاذ في المعهد العالي للموسيقا ومن أعضاء الفرقة السمفونية الوطنية السورية مع “البعث” أوضح أنه ارتأى بهذه الأمسية اختيار الأعمال من العصر الكلاسيكي المتأخر والعصر الرومانسي والعصر الحديث، مبتعداً عن عصر الباروك لتقديم أعمال أحدث للباصون، وقد كتب العديد من المؤلفين من كل العصور لآلة الباصون.

وتوقف عند عمل السوناتا للمؤلف سان سان الذي تميز بهارموني رائع وبانسجام بين البيانو والباصون بطريقة الكتابة، ليكملا دور بعضهما بشكل جميل، ما يتطلب العزف بدقة من قبل العازفين وباحترافية عالية لتصل موسيقا سان سان للجمهور، ولاسيما في الحركة السريعة الهزلية التي تتسم بضرورة التركيز الشديد، إذ لا مجال فيها لأي خطأ لسرعة عزف الباصون مع البيانو.

وتابع عن الحركة البطيئة جداً الرومانسية إلى أبعد حد، والتي تحكي قصة حقيقة وتسرد مرحلة حياة كاملة بكل تفاصيلها، وبكل ما تحمله من مشاعر إنسانية تتناوب بين الحزن والفرح.

أما عن خصوصية مقطوعة التوكاتا فعلّق بأنها إحدى المؤلفات الموسيقية التي تكتب للآلات ذات لوحات المفاتيح، وتعتمد على تقنيات عالية في الأداء.

وعقب على سؤالي عن العزف التقني الصعب والتقاطعات بينه وبين عازفة البيانو، بأن كل واحد منهما كان يحفظ بدقة دور الآخر لتحقيق الانسجام والتكامل بالمقطوعة الموسيقية، بالإضافة إلى سرعة البديهة بالتجاوب بين العازفين، خاصة بالمقاطع السريعة، مثل عمل الكونشيرتو الحركة الأخيرة ـ حركة سريعة بفرح- التي تمتاز بمستوى تقني عال جداً، وهذا يخضع لخبرة التدريب والدراسة الأكاديمية والتحضيرات المدروسة، إذ تطلب التدريب وقتاً طويلاً حتى وصلنا إلى هذه النتيجة.

وبيّن أن المؤلّفين وظّفوا كل مساحة آلة الباصون في هذه الأعمال من النوتات العالية جداً إلى المنخفضة.

وبعيداً عن البرنامج، أشار الأمير إلى أهمية حضور الجمهور، متمنياً أن يكون العدد أكبر في الأمسيات القادمة، لكون هذه الأعمال تتطلب تدريبات طيلة شهور متتابعة، وهذا النوع من الموسيقا معروف عالمياً وله جمهوره بينما ما يزال جمهورنا قليلاً نوعاً ما لهذه الأعمال، على الرغم من أن الموسيقا الكلاسيكية موسيقا إنسانية مهمة جداً، وكان أحد أهداف الأمسية نشر هذا النوع من الموسيقا الآلية وتعميق الذائقة الفنية والثقافة الموسيقية للجمهور.