الاتحاد الصامت!!
بشير فرزان
الواقع المعيشي للفلاح، وغيره من شرائح المجتمع السوري، يفرض حالة من الاستنفار والعمل الاستثنائي على الجبهة الزراعية، بحيث تحشد كامل الطاقات في مسار مضاعفة الإنتاج بشتى الطرق والوسائل المدرجة ضمن إستراتيجية عمل تضمن تسويق منتجات الزراعية، والتي تطرح الكثير من إشارات الاستفهام حول عمل الاتحاد العام للفلاحين الذي لا نسمع عنه، أو منه، إلا الشكوى!!
“الاتحاد الصامت” الذي لم يعد له وجود في يوميات الفلاح سوى ببعض اللافتات الدالة على الجمعيات الفلاحية المغيّبة بفعل أدائها الضعيف العاكس كالمرآه لحقيقة وجود المنظمة الفلاحية التي لم تستطع إلى الآن التفكير خارج الصندوق، حيث تغيب المبادرات الفاعلة على الساحة الزراعية، والتي هي بالأساس جزء من مهامها ودورها الفلاحي الذي يتعرّض اليوم لهزة قوية نتيجة اعتماد سياسة عمل مكتبية غير قادرة على وضع إستراتيجية عمل إنتاجي جماعي قادرة على زجّ الجميع في معركة الإنتاج الزراعي، وتجاوز التحديات بمختلف أشكالها ضمن نهج الاقتصاد الزراعي الذي يمكن من خلاله استثمار كلّ شبر من الأرض ليكون من مولدات الإنتاج التي تضيف لبنة جديدة في الحياة العامة في ظلّ حالة الفقر والعوز التي اجتاحت المجتمع الفلاحي الذي لم يدخر جهداً أو قطرة عرق في سبيل بلده، ولم يقصّر في تحقيق إنتاجية زراعية كانت ولازالت واحدة من أهم مقومات الانتصار، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن ما يتمّ يمثل انسحاباً سلبياً لرافعة العمل الزراعي نتيجة تقاعس البعض بالقيام بمهامهم على أكمل وجه.
وعلى الرغم من أن تنمية القطاع الزراعي تتبوأ أهمية كبيرة في أولويات الحكومة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا، إلا أن ذلك لم يساعد إلى الآن في تبني سياسة تسويقية ناجحة يمكن أن تسهم في إنقاذ تعب الفلاح من الضياع، بحيث يجني في نهاية موسمه ما يغنيه عن الحاجة والعوز، ويكفيه ليبقى متمسكاً بأرضه منتجاً. ولا شكّ أن “ضعف الحلقات التسويقية المختلفة، وعدم وجود مؤسسات وشركات تسويقية رائدة” حال دون تحقيق عائدات اقتصادية مجزية للفلاح الذي تلاحقه الديون والخسائر، هذا عدا عن المخاطر المرتبطة بالتغييرات المناخية.
ولا شكّ أن الانشغال المتكرر مع كلّ موسم بقضايا التسويق الزراعي والتأكيد على اقتراب المشكلة من خط الحلول الناجعة، والتي ستكون لها نتائج إيجابية على الفلاح بات مجرد سراب، بما يعكس حالة من الاضطراب المنهجي في أداء كلّ الجهات المعنية، فكلّ الضجيج التسويقي لم يغيّر من الحقائق الموجودة على الأرض شيئاً، وما تمّ تحقيقه كان متواضعاً وخجولاً وكان له ارتدادات كبيرة على الثقة الموجودة ما بين الفلاحين والجهات المعنية المسؤولة عن إنجاح عملية تسويق المنتجات الزراعية التي لم ينقطع الحديث عن تحدياتها، سواء أكان ذلك لصعوبة التصدير بفعل تداعيات الأحداث والحصار الاقتصادي، أم لغياب المشاريع الصناعية القادرة على استيعاب المنتج الزراعي وتصنيعه وتحويل خاماته إلى مواد أكثر قابلية للاستهلاك، وللأسف يتمّ إدخال الكثير من الأفكار السائرة في ميدان التصنيع الزراعي في معادلات حسابية مستحيلة الحلّ وبشكل يحيّد الجدوى الاقتصادية ويسقط أي مشروع في فخ الخسائر رغم توفر الكثير من مقومات النجاح.
وللأسف، هناك الكثير من المشاريع العالقة إلى الآن في مخاض الولادة، رغم أنها لا تتطلّب الكثير من التقنيات أو تحتاج لرأس مال كبير، وكلّ ما تحتاجه وضع روزنامة مناطقية لهذه الصناعات، ولكلّ نوع منها حسب الإنتاج الزراعي المتوفر، بحيث يكون المصنّع ومادته الأولية في الوحدة الإنتاجية ذاتها، بما يخفّف الكثير من نفقات الإنتاج والحلقات التي تمرّ عبرها، وذلك ضمن إستراتيجية تسويقية وتصنيعية واضحة المعالم تربط ما بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير من جهة، وتخلق علاقات تشابكية بين منشآت التصنيع الزراعي والفلاحين بشكل يؤدي إلى رفع القيمة المضافة للحاصلات الزراعية ويقلّل الفاقد منها.