عقلنة أجور النقل.. مطلب شعبي للحد من استفحال ارتفاعها
دمشق- بشير فرزان
ما يحدث في شوارع دمشق يتطلّب متابعة مستمرة من الجهات المختصة، وخاصة لجهة مراقبة التكاسي وأجورها المرتفعة التي تستنزف الناس وتعرّضهم للكثبر من الاستغلال، وما حصل مع أحد زملائنا خير دليل على ذلك، حيث لم تتجاوز المسافة الكيلو متر الواحد، إلا أن سائق التكسي العامة لم يتوانَ عن طلب الـ15 ألف ليرة، بل وأصرّ على أن يتقاضى هذه الأجرة التي لا تتناسب أولاً مع التعرفة الصادرة عن الجهات المختصة، ولا مع ارتفاع أسعار المحروقات وقطع التبديل والزيوت، وغيرها من الحجج التي يلجأ إليها سائقو سيارات النقل العام، وخاصة التكاسي، لإقناع الزبون بالتسعيرة التي يفرضونها عليه دون وجه حق، وبالمحصلة النهائية امتثل زميلنا كغيره لرغبة هذا السائق العجوز، ودعواته الاستغاثية (مشان الله برقبتي أيتام ونسوان)، وذلك احتراماً منه للشيب في رأسه وكبر سنه، وتعاطفاً مع أوضاعه المعيشية، كونه المعيل الوحيد لأسرة كبيرة تعيش قسوة الظروف وظلم الإيجارات.
وللأسف، هذا المشهد المتكرر آلاف المرات يومياً في جميع المدن والمحافظات، والذي ينتهي في الكثير من الأحيان بعراك وتشابك بالأيدي، وإصابات مختلفة، إلى جانب سيل من الشتائم والإهانات، يعبّر عن المعاناة اليومية للمواطن خلال تنقله واستخدامه لوسائط النقل المختلفة التي يزداد التنقل فيها صعوبة من حيث الأعباء المالية والضغوط النفسية المتعدّدة التي لم يعد قادراً على تحمّلها في هذه الأيام الصعبة، وهذا ما يزيد من “حماوة المواجهة” بينه وبين سائقي النقل العام بمختلف أنواعه، والذين يعملون على فرض تسعيرتهم الخاصة تحت غطاء الواقع والظروف.
والغريب أنه في مقابل نجاح هؤلاء باستثمار عواطف الناس وإقناعهم بأي تسعيرة يطلبونها، بل يفرضونها، وبعدم الاعتراض عليها، أو اللجوء إلى الجهات المعنية، نجد تماديهم الواضح وعدم امتثالهم للنداءات والدعوات المطالبة بعقلنة الأجور، من جهة، ومراعاة ظروف الناس وللقوانين والأنظمة، من جهة ثانية؛ وطبعاً لن نلقي باللوم هنا على الجهات المعنية بهذه القضية لأنه من الصعب ضبط هذا الموضوع في عدم تعاون المجتمع الأهلي، وغياب الضمير وثقافة الرقابة الشعبية الداعمة للسلطة الرقابية، والتي يمكن من خلالها إحراز تقدم حقيقي على صعيد كبح جموح الأسعار ليس على صعيد النقل العام فقط، بل في كل ما يخصّ المواطن.
ولاشكّ أن ممارسة الناس لدور الرقيب سيكون لها أثر واضح على حياتهم وسيسهم في ضبط أصحاب النفوس الضعيفة، ولجم مخالفاتهم التي يتمّ تناقلها فقط عبر الأحاديث العامة، دون أن يكون هناك أي تحرك شعبي باتجاه المعالجات، حيث يستسلم المواطن لوهم “الحلقة الأضعف”، ويتمترس خلف مبادئ ومفاهيم “حرام”، و”المسامح كريم”، فتزداد المنغصات وتتعدّد حالات الاستغلال لحياته، ومع استمرار الناس بالشكوى والتذمر من الواقع وتكرار حقوق المواطنية، نضع هذه القضية بعهدة الجهات المعنية للوصول إلى معالجة نهائية لهذه الظاهرة المستفحلة تحت عباءة الظروف.