تحقيقاتصحيفة البعث

كان الله بعون “أبي العيال”.. أسعار نارية لمستلزمات المدارس تلهب الجيوب وتحزن القلوب!

ليندا تلي 

تتزامن فترة التحضير لاستقبال المدارس مع موسم “مونة” الشتاء، ما يجعل المواطن في هذه الفترة الموسمية بالذات يضرب أخماساً بأسداس للتحايل على الواقع وتحضير أبنائه للعام الدراسي الذي بات على الأبواب، ففي ظلّ ارتفاع كبير في أسعار القرطاسية والمستلزمات الأخرى (حقائب، أحذية، لباس..)، ثمّة أسئلة هنا: كيف سيتعامل “أبو العيال” مع هذه الحال؟ وأين الجمعيات “الخيرية”؟ وما دور الجهات المعنية في لجم جشع التجار وضبط مزاجيتهم؟!

جمر يكوي

عائلة “أم محمد”  المكوّنة من ثلاثة أطفال اضطرت للبقاء في المدينة خلال هذا الصيف بعد أن كانت تقضي أغلبها وأسرتها في القرية كجميع الأسر التي تنتظر انتهاء المدارس، ولكن الوضع الاقتصادي الخانق أجبرها على تشغيل ولديها القاصرين لدى “كومجي” في الحيّ الذي تقطنه بغية تعليمهم حرفة وكسب المال لمساعدتها في تأمين مصاريف المدرسة، بينما تأفف “أبو حسن”، أب لأربعة أولاد موزّعين ما بين تعليم أساسي وإعدادي وثانوي، من “جمر الأسعار التي تلهب القلوب قبل الجيوب”، وفق وصفه، حيث وصل سعر “مريول” المرحلة الابتدائية إلى 150 ألف ليرة وقميص الإعدادي حتى 175 ألفاً، هذا دون الحديث عن أسعار البنطال أو الحقيبة أو القرطاسية وشراء الكتب.. وغيرها، أي يلزمه كتقدير أوليّ ما يقارب المليونين لتجهيزهم، في حين دخله لا يتجاوز ثمن حقيبتين ليستا بذات جودة، متنهداً وكأنّه يحمل جبلاً على صدره قائلاً: “اتركيها ع الله”، فيما زاوج طالب الثالث الإعدادي “نورس. م” طيلة العام الدراسي السابق بين دراسته وعمله في أحد مطاعم دمشق القديمة بمرتّب شهري لا يتجاوز 450 ألف ليرة، واليوم سيتابع بالوتيرة ذاتها بغية تخفيف العبء عن والديه، في حين اعتمدت “سلمى. ح” على تدوير ملابس أطفالها القديمة، وما تمّ إرساله لها من ملابس أقاربها، بغية تحضير أبنائها الثلاثة بأدنى المستلزمات الواجبة للعام الدراسي.

تخفيض أرباح الوسيط  

يختلف مفهوم ضبط الأسعار بالنسبة للمستهلك عن المستورد أو البائع، وفق ما أوضح الخبير الاقتصادي جورج خزام، فهي تعني للمستهلك تخفيض أرباح الحلقات الوسيطة ابتداءً من المستورد وصولاً إلى المستهلك الأخير، أمّا بالنسبة للبائع فيعني تخفيض تكاليف الاستيراد والضرائب والمصاريف المباشرة وغير المباشرة، وهنا الزبون يعتقد بأنّ ارتفاع الأسعار بسبب زيادة أرباح الحلقات الوسيطة في السوق بمقولة متداولة (التجار فجّار)، وهذا يدلّ على جهل كبير بآلية عمل الأسواق، مع العلم بأنّ التاجر وحده من يقدّم البضائع والخدمات للزبائن ويتمنّى تخفيض الأسعار من أجل زيادة المبيعات وتحقيق أرباح أكبر.

دون السؤال عن المصدر!

ويكون تخفيض أسعار القرطاسية، وفق خزام، بطريقة واحدة عبر تحرير استيراد القرطاسية من منصّة تمويل المستوردات بالمصرف المركزي، أي السماح للمستوردين الاستيراد وتمويل مستورداتهم بالدولار من خارج المصرف المركزي، والانتظار لشهور للحصول على التمويل بالدولار لزوم الاستيراد، أي السماح لهم بتمويل مستورداتهم من مصادرهم الخاصة بالمصارف الأجنبية دون السؤال عن مصدر التمويل بالدولار، وهكذا لن تتراجع كمية القرطاسية المعروضة للبيع مقارنة بحجم الطلب بسبب زيادة كميتها المعروضة للبيع بالأسواق مع انخفاض الأسعار، لأنّ هناك بطأً شديداً بعمل المنصّة يرافقه جفاف المستوردات من الأسواق وتراجع كمية العرض وارتفاع سعرها مهما انخفض سعر صرف الدولار.

بالكاد تكفي

ولفت خزام في معرض حديثه إلى أنّ كلّ البضائع وليس فقط القرطاسية تُباع بأسعار مرتفعة مقارنة بدول الجوار بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد 35% من منصة تمويل المستوردات بالمركزي، ولذلك يقوم التاجر باستيراد الأصناف الرخيصة لتخفيض التكاليف من أجل تخفيض الأسعار، لافتاً إلى أن الجمعيات لا يمكن أن تساعد الأهالي بتأمين مستلزمات المدارس، لأنّ مواردها المالية بالكاد تكفي لتمويل السلل الغذائية وبعض المصاريف العلاجية والأدوية للمحتاجين، وأيّ تمويل لمستلزمات المدارس سوف يكون على حساب باقي الأعمال الخيرية.

نوعية رديئة

أمين سرّ حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، لم ينكر الارتفاع الكبير في أسعار المستلزمات المدرسية، من حقائب وقرطاسية ولباس مدرسي، مقابل تدني نوعيتها، حيث تتفاوت الأسعار ما بين مرحلة مدرسية وأخرى، إذ إن الطالب في مرحلة التعليم الأساسي يحتاج إلى مليون ليرة سورية ليتمّ تحضيره، وهذا المبلغ يزيد في تجهيز طالب المرحلة الإعدادية، ويتضاعف أكثر في الثانوية باعتبار الطلبات تتزايد، ويصل إلى خمسة ملايين في المرحلة الجامعية بين مصروف ودراسة ودفاتر ومواصلات وغيرها، فالأسرة المكوّنة من ولدين يلزمها مليوني ليرة وهذا كارثي بالنسبة لها كونه يتزامن مع موسم المؤونة واستقبال فصل الشتاء، وهذا المبلغ في تزايد باعتبار نوعيات المستلزمات المدرسية المتوفرة سيئة ولا تخدم الطفل عاماً كاملاً، فغالباً ما يحتاج الطالب لحقيبة ثانية خلال سنته الدراسية لرداءة نوعيتها باعتبار أغلبها مصنوعة من “المشمّع”، والحال هذا ينسحب على اللباس والقرطاسية، في ظلّ دخل محدود، ليبقى المواطن أمام خيارين: إما أن ينكفئ عن تعليم أبنائه أو أن يشتري مستلزمات مستعملة رغم أن الأخيرة أسعارها كاوية، وكلّ هذا في ظلّ غياب مؤسسات التدخل الإيجابي، فعلى أرض الواقع لم نلمس أي منافسة لها للتجار، وفي حال أخذت على عاتقها الموضوع فهي تستجرّ من التجار، وبالتالي أصبح هناك جهة وسيطة رغم أن أرباحها قليلة وبالتالي زيادة تكلفة.

للاستشارة فقط

وعن دور حماية المستهلك في مراقبة أسعار المستلزمات المدرسية التي تتفاوت ما بين تاجر وآخر، أوضح حبزة أنه من صلب عمل مديريات التموين التي تقوم بأخذ عينات من الأسواق وبيان تكلفة وتحدّد التكلفة وترسل إلى المكتب التنفيذي بالمحافظة وهو يصدر التسعيرة، حيث يتمّ أخذ عينات من الأسواق بشكل عشوائي، ويقومون بدراستها مع بيانات التكلفة بوجود مندوب عن الحرفة وعن التموين والمحافظة، ويتمّ تحديد سعرها، فإذا كان السعر مخالفاً للتكلفة الموجودة يتمّ تنظيم ضبط تمويني على غرار ما جرى بتسعيرة الحلاقة والكوي، منوهاً بأن جمعية حماية المستهلك ترفض تفاوت الأسعار وارتفاعها، وتراسل الجهات المعنية في حال الارتفاع، وأعرب عن أسفه لعدم وضع القانون عضواً لجمعية حماية المستهلك في لجنة التسعير، إذ يتمّ الاستعانة بها كإجراء إداري دون أن يكون لها صفة رسمية بحضور لجان التسعير، سواء في المديريات أو الوزارة، وطالبت الجمعية وتطالب بأن يكون لها ممثل ضمن اللجنة يكون له رأي مُلزم وليس لمجرد الاستشارة، بالمحصّلة يتلخص دور الجمعية بالرصد والمتابعة ومن ثم مراسلة الجهات المعنية.

يوجد بدائل 

وبالانتقال إلى دوريات حماية المستهلك ودورها في مراقبة الأسعار، وخاصة مع اقتراب افتتاح المدارس، أكّد نائل اسمندر مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق قيامهم بتوجيه دورياتهم لتشديد الرقابة على منشآت ومحلات بيع وتصنيع مستلزمات المدارس (قرطاسية، ألبسة، أحذية، حقائب) والتأكد من جودة المنتج للمستهلك، بما يتوافق مع بيانات التكلفة والنوعية، وتمّ تنظيم عدد من الضبوط العدلية بحقّ المخالفين، كما تمّ سحب عدد من العينات للتحليل والدراسة السعرية.

أما فيما يخصّ مزاجية التجار في بيع المادة ذاتها بين محل وآخر، قال اسمندر: نقوم بمعالجة الموضوع وتنظيم ضبط، ولكن هذا يتمّ بعد التأكد من المواطن الذي قام بشراء المنتج، مشيراً إلى أنّ التسعيرة تختلف من منتج لآخر باعتبار المنتجات ليست على سوية واحدة ضمن المواصفة ولكن هناك سوية أعلى، حيث يوجد بدائل في صالات السورية للتجارة ونسبة التخفيضات فيها وصلت حتى 25 بالمائة، ولفت إلى أنه سيتمّ فتح معرض القرطاسية السنوي خلال اليومين القادمين غالباً في مدينة المعارض القديمة.