دراساتصحيفة البعث

البريكس قوة موازية وليس موازنة للغرب

عناية ناصر

هل تحلّ مجموعة البريكس محل الهيمنة الغربية، وتعمل كقوة موازنة للولايات المتحدة وحلفائها؟.

تتحرك الصفائح التكتونية للخطاب السياسي على نطاق عالمي، وتظهر كمحور جديد للقوة يشكّك في الهيمنة الغربية طويلة الأمد، إذ لم تعد البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ودول البريكس، مجرد اقتصادات نامية، فقد اجتمعوا لتكوين قوة قوية جاهزة لتغيير توازن الشؤون العالمية.

تقف مجموعة البريكس على أهبة الاستعداد لتعزيز مكانتها العالمية من خلال إنشاء إطار جديد للتجارة والاستثمار، وبالتالي تفادي النفوذ الراسخ للكيانات الغربية. ولتعزيز صوت البلدان النامية، كما قال شي جين بينغ، كان أحد أهم التطورات الجيوسياسية في العام الماضي هو الإعلان عن مجموعة البريكس الموسّعة، والتي جذبت انتباه العالم، وكانت لها تداعيات جيوسياسية غير مسبوقة.

إن القوة الصاعدة لمجموعة البريكس هي الآن في مركز المناقشة، لأن هذه الكتلة من الدول تعمل على تطوير نموذجها، وجذب العشرات من البلدان على الرغم من الاختلافات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية المعترف بها على نطاق واسع، وكلها حريصة على الانضمام إلى نادي “البريكس+”.

مع إدراج الدول الأربع، إيران والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا، تمثل مجموعة “البريكس+” صوت ما يقرب من نصف سكان العالم، وهذه الكتلة العملاقة من الجنوب العالمي، التي تساهم بنحو 46٪ من سكان العالم وجزء كبير (نحو 30 تريليون دولار) من الناتج المحلي الإجمالي، تمثل لحظة محورية في التاريخ. كما تعمل مجموعة البريكس الموسّعة، وخاصةً ما يتعلق بسلاسل القيمة المعدنية، والتحول في مجال الطاقة، وتجارة النفط، والسياسة، على تغيير ديناميكيات الاقتصاد العالمي. ورغم وجود وجهات نظر مختلفة بشأن مسار الكتلة، تظلّ هناك أسئلة أساسية، منها: كم عدد الدول التي يمكن ضمّها إلى مجموعة البريكس عندما تبدأ التحالفات مؤتمرها لعام 2024؟ .

لا يزال الجواب بعيد المنال، حيث تتشكّل الاستجابة من خلال النهج الفريد الذي تتبناه مجموعة البريكس، إذ من المرجح أن تنضمّ ست دول إلى الكتلة، وفقاً للسلطات الهندية، وقد يختلف هذا الرقم اعتماداً على الكثير من الظروف، ولكن القائمة المتوسعة باستمرار من الدول المهتمة قد يكون لها بعض التأثير.

من خلال تقديم بدائل دبلوماسية واقتصادية صغيرة -ذات مغزى للنظام المهيمن الذي يركز على الولايات المتحدة بدلاً من استبداله بشكل مباشر- فإن دول مجموعة البريكس في وضع يسمح لها بإحداث تأثير متزايد على العالم. ومع تحديد قادة مجموعة البريكس لمسارهم، قد يؤدي هذا المسار إلى تفاقم العلاقات مع الدول الغربية، ولذلك يتعيّن على الكتلة أن توازن بمهارة بين المصالح المختلفة لدولها الأعضاء إذا كانت تريد أن تظلّ متماسكة وفعالة، وهي معركة شاقة.

إن النهج الدقيق للتجارة، الذي يشمل التعاملات داخل مجموعة البريكس التي تتمّ بالعملات المحلية، واستمرار التبادلات المقومة بالدولار مع الولايات المتحدة، ليس متناقضاً بشكل متبادل بل هو إستراتيجية براغماتية قادرة على تحقيق المكاسب للدول الأعضاء في ظلّ ظروف مختلفة.

إن دول مجموعة البريكس لا تهدف إلى الإطاحة بالدولار، بل الحدّ من هيمنته من خلال خلق البدائل، وحتى إذا نجحت مجموعة البريكس في التخلّص من الدولار، فسوف يستمر استخدام الدولار على نطاق واسع على مستوى العالم. إن طموح مجموعة البريكس هو توفير أطر اقتصادية ودبلوماسية موازية دون تفكيك النموذج الذي تقوده الولايات المتحدة.

قد يكون من الصعب استيعاب هذا المفهوم، وخاصة في مناخ سياسي عالمي مستقطب، لكن النتيجة ستكون نظاماً نقدياً متعدّد الأقطاب أكثر من النظام أحادي القطب الحالي.

وبهذا الشأن، أوضح الباحث الكبير في العلاقات بين روسيا وإفريقيا غوستافو دي كارفاليو، من معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية ومقرّه جوهانسبرغ، أن مبادرات إزالة الدولرة من مجموعة البريكس تهدف إلى توفير بدائل تمكن التجارة الثنائية بالعملات المحلية بدلاً من استبدال الدولار.

وإن الأهمية المتزايدة للكتلة يمكن أن تؤدي إلى تحول نموذجي في الخدمات المصرفية العالمية، وبالتالي تغيير التأثير المهيمن للدولار، وتنويع المؤسسات المالية، حيث يمكن للدول الاندماج في معارضة الهيمنة الغربية.

وعليه، إن إعلان جوهانسبرغ ينصّ على أن الكتلة تأمل في نظام عالمي متعدّد الأقطاب يتميّز بالشمولية والتعاون، حيث تعمل دول مجموعة البريكس على ترسيخ نفسها كقوى موازية للهيمنة الغربية، وليس موازنة لها، من خلال تشجيع التعاون الاقتصادي، وتطوير الهياكل المالية البديلة، ومواءمة مواقفها بشأن المشكلات العالمية المهمّة. وقد أعلن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في اليوم الافتتاحي للقمة: “نحن لا نريد أن نكون بديلاً لمجموعة السبع، أو مجموعة العشرين، أو الولايات المتحدة.. نحن نريد فقط أن نرتب أنفسنا”.

تتمتّع هذه المجموعة المتنامية بالقدرة على التأثير في المشهد الجيوسياسي، وسوف يكون الاختبار الحقيقي لنجاح مجموعة البريكس هو قدرتها على الحفاظ على طابعها الفريد، في حين تساعد بنشاط في حلّ مشكلات العالم من خلال التعاون الدولي الفعّال.