صراع الكيان في “اليوم التالي”
ريا خوري
تحرص إدارة الرئيس جو بايدن على التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لكسب أصوات الناخبين الأمريكيين التي قد تكون رافعة لنائبته المرشحة عن الحزب الديمقراطي كمالا هاريس، لكن هنا تظهر عقدة رئيسية هي اليوم التالي للحرب.
ومن الواضح أن إدارة بايدن تعمل على محاولة التوصل لاتفاق ينهي به بايدن حياته السياسية، ويعزّز به أنتوني بلينكن موقعه رئيساً للدبلوماسية الأميركية، وتعزز كمالا هاريس فرصها بالفوز بالرئاسة، مما يجعل من ملف اليوم التالي للحرب الملف الأبرز بعد الانتخابات.
كانت الولايات المتحدة تعمل باستمرار على عدم وجود دور للمقاومة في إدارة القطاع، وإنهاء دورها العسكري والسياسي والمدني هناك، لهذا تعمل إدارة بادين على صياغة وثيقة بشأن “اليوم التالي” في قطاع غزة، لتحظى بتوافق إقليمي ودولي مع تضمنها تفاصيل حول من يسيطر على قطاع غزة ويموّله. ففي شهر أيار الماضي تمّ تقديم التصور الأميركي لقطاع غزة ما بعد الحرب، يتمثل بتعيين شخصية أميركية مرموقة بمنصب كبير المستشارين المدنيين لقوة معظمها فلسطينية لدى انتهاء العدوان الصهيوني على قطاع غزة. ووفقاً لذلك، فإن المستشار المدني سيتخذ مقرَّه في المنطقة، ويعمل عن كثب مع قائد القوة، والذي قد يكون إما فلسطينياً أو من إحدى الدول العربية. هذا التصور هو واحد من العديد من السيناريوهات التي تمّ طرحها حول “اليوم التالي”.
الرؤية الأميركية لقطاع غزة ترتكز ما بعد العدوان على وجوب ألا يستخدم قطاع غزة كمنصة للمقاومة، ولذلك تمّ الحديث مطولاً عن “اليوم التالي”، لكنهم لم يتفقوا بشأنه، فقد قدّم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رؤيته لذلك، أمّا يوآف غالانت فله رؤية أخرى، وجيش العدوان له رؤية ثالثة، ولكلّ من المخابرات الصهيونية والأجهزة الأمنية المتعدّدة رابعة وخامسة، وبن غفير وسموتريتش لهما رؤية سادسة، وللولايات المتحدة الأمريكية رؤى عدة وكثيرة، لكنها بمجملها رؤى انفعالية وغير مدروسة، وليست قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
على الرغم من تعدّد الرؤى، ووجهات نظر قادة الكيان الصهيوني، لكن جميعها تصبّ في خانة واحدة، وهي إما الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة أو التهجير القسري (التطهير العرقي)، والهدف الرئيسي هو التوسّع وتكبير مساحة دولة الكيان، وهو الأمر الذي طالب به صراحة الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترامب، لكن دول جوار الضفة الغربية وقطاع غزة ومعظم دول العالم ترى أن مصير قطاع غزة يحدّده أهلها وليس أحداً غيرهم، فسرقة الأراضي والقضم والتوسّع على حساب الشعب العربي الفلسطيني سيضعان المنطقة على فوهة بركان ناشط، لأن أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1976، وهو الأمر الذي ترفضه القيادات الصهيونية.
ما يعني أن القادة الصهاينة يريدون شئياً مفصَّلاً على مقاس أحلامهم المريضة وطموحاتهم، متجاهلين إرادة الشعب العربي الفلسطيني الذي دفع ثمن أحداث 7 تشرين الأوّل دماً ودماراً وخراباً وجوعاً وعطشاً وتشرداً وعجزاً على مدار ما يقرب من أحد عشر شهراً، فقطاع غزة اليوم لا يشبه ما قبل السابع من تشرين الأوّل، لقد ضاعت ملامح القطاع تماماً وتشرَّد شعبه، وفقد أكثر من خمسين ألفاً من أبنائه، ودمرت مدارسه ومستشفياته وبناه التحتية وتيتّم أطفاله وتشوش شبابه.