“محقوقية” رسائل تكامل
علي بلال قاسم
فرضت تقلّبات وفصول المعاناة، مع وسائل النقل العامة داخل المدن، نمطاً من التأرجح وعدم الاستقرار، لدرجة لا يمكن لأي متابع أو مواطن أن يثق بحال وفرة السرافيس أو الباصات من عدمها، ففي أي لحظة تشعر فيها بأمان ازدحام خيارات وسائل النقل أمامك وتتحسس كثرة “الميكروات” على هذا الخط أو ذاك، سرعان ما يتبدّد الحلم الخاطف ويتحوّل المشهد المعتاد إلى تدافع واكتظاظ العشرات على وسيلة واحدة إن وجدت على محور أو مسار رئيسي، كالذي يربط النقاط والمناطق الحيوية ببعضها، كما هو حال خطوط “الدوار الشمالي” و”الدوار الجنوبي” و”مزة جبل كراجات” و”عباسيين” وصولاً إلى كراج السومرية.
وأمام واقع مأساوي مستمر ومتواصل بدت أحدث الحلول الإنقاذية الذكية التي سوّقت لها المحافظة غير موفقة وغير ناجزة، لتبدو خطوة فرض أجهزة التتبع الـ “جي بي إس” على السرافيس في سياق المعطّل والمؤزم أكثر منها حلاً سحرياً رغم الترويج والدعاية لها في كبح جماح التلاعب والغش، وعدم التزام أصحاب الحافلات بالخطوط والعمل عليها.
ومع أن الردع هو العامل المأمول، فإن أخبار الضبوط والغش التي سُجّلت – ولا تزال – تعطي مؤشرات بأن هناك أساليب وفنوناً من التملّص والتخلّص من هذا الرقيب الإلكتروني المدسوس في عقر السرفيس وصاحبه المتهم دائماً بالانكفاء وعدم الالتزام، في حين تسجّل الوقائع التي عايشناها بالعين المجردة، عند متابعة عملية تزويد الباصات بمخصّصاتها من الوقود اليومي في إحدى محطات الوقود، وجود عامل آخر من التسبّب بالأزمات شبه اليومية، ألا وهو رسائل المتاح بموجب تقارير أجهزة التتبع المربوطة بشركة “تكامل”.
في هذا المشهد، ثمّة حقيقة لمسنا تفاصيلها عند أغلب السائقين المتأففين، والذين يرفعون الصوت أمام عمال المحطة إزاء انحسار وتراجع الكميات المحدّدة في الرسالة. ففي وقت ينتظر السائق كمية لا تقلّ عن 30 ليتراً يومياً لتغطية عدد من الرحلات في نهار العمل الواحد، من منطلق أنه تحرك على الخط بالحدود المطلوبة، يفاجأ بتعبئة لا تتعدى الـ 15 ليتراً لا تكفي رحلة أو اثنتين ويتوقف؛ هذا إذا لم يعزف عن العمل طوال النهار ويفضل إطفاء وركن سيارته، وهنا تكون الخطوط على أشدها من التأزم دون وجود حافلات، حيث المعاناة وتحدي التعبئة في طوابير الكازيات التي تتحكم وتمارس تلاعباتها التي تزيد من إشكالية الرسائل المحدودة، وتدفع للفوضى والتمنّع عن العمل، ولو تعرّض السائق للعقوبات الموعودة.
في سياق تتبع التفاصيل القادمة من شركة “محروقات”، ومعها شركة “تكامل”، بأن هناك نقصاً في الكميات الموردة، ما يدعو لتقليص الكميات على السرافيس بالحدود المقبولة، في وقت حمّلت محطات الوقود مسؤوليات بالتلاعب، وهنا ترتفع الدعوات للشكاوى، وفي كلتا الحالتين تبقى التهمة تلاحق صاحب السرفيس بأنه المسبّب بأزمة النقل دائماً.
ومع الاعتراف بأن الأخير جزء من المشكلة ولا يمكن تبرئته، فلدى هذه الشريحة فنون وأساليب من التلاعب بالمخصّصات والركاب الكثير الكثير، إلا أن المنطق يقول إن هناك شركاء بيوميات المنغصات التي يتعرّض لها الركاب من موظفين ومواطنين وطلاب، من حافلة متهالكة تنتظر الإصلاح غير المقدور على فاتورته، وسائق يمكن نعته بسيد الحيل والتحكّم بالركاب، وشرطي لديه الكثير من المبررات لتمرير قصص السائقين، وشركة “محروقات” غير الملتزمة بتأمين المخصّصات، ولجان محروقات فرعية بالمحافظات تتخبط بقراراتها الاعتباطية التي تتغيّر وتتبدّل بين يوم وآخر بين تزويد وإيقاف لأيام معينة ثم الرجوع عنه، ليبقى القلق والتخوف مسيطراً على المواطن من أزمة نقل تضيّع 3/ 4 يومه على الطرقات.
في الختام نسأل بإنصاف: هل ننتظر من 8510 سرافيس، يضاف لها 176 باصاً للشركات الخاصة، و140 باصاً لشركة النقل الداخلي في دمشق وحدها، أن تتزوّد بمازوت حرّ لتعمل بتعرفة 1000 ليرة على الراكب؟!