إضاءة على جانب من خطاب الرئيس بشار الأسد
د . خلف المفتاح
قبل الحديث عن مضامين ومحتوى خطاب الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب بتاريخ 25-8-2024 من المفيد الإشارة إلى أن الخطاب هو رؤية، ومشروع، وأفكار، ومحتوى، سيكون له تأثير على المخاطب أو المستهدف من الخطاب، بحيث يستجيب ويتفاعل مع مضامينه، ويتكيف معها ويتمثلها سواء كان المخاطب جمهوراً أو مؤسسة أو أفراداً أو وسطاً معيناً.
تأتي أهمية الخطاب من مصدر الخطاب أو مصدره إضافة للمستهدف منه، وعند الحديث عن خطاب السيد الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب تجدر الإشارة إلى مسألتين أولهما مصدر الخطاب ومصدره وهو موقع الرئاسة، والمستهدف من الخطاب وهو مجلس الشعب بشكل أساسي، وهنا يصبح الحديث عن سلطة الخطاب أي تأثيره على درجة من الأهمية، فمصدر الخطاب هو رئيس الجمهورية الذي يجعل للخطاب سلطة الإلزام لمجلس الشعب بوصفه سلطة تشريعية تخضع لرئيس الجمهورية بحكم الدستور، ما يعني أن المجلس كمؤسسة ملزم بتنفيذ توجيهات ورؤى رئيس الجمهورية، وتحويل مضامين الخطاب فيما خص المجلس إلى مشروع وخطة عمل قابلة للتنفيذ من خلال تبني الأفكار والرؤى التطويرية والتغييرية والتجديدية التي وردت في الخطاب، سيما وأن المجلس يمتلك صلاحيات واسعة بحكم الدستور سواء ما تعلق منها بالتشريع وسن القوانين وإقرارها، أو الرقابة على أعمال الحكومة ومحاسبتها بحجب الثقة عنها كلاً أو جزءاً، مع الإشارة إلى جانب هام يدخل في صلب صلاحيات المجلس، وهو إقرار خطط التنمية التي تقدمها الحكومة، وكذلك إقرار الموازنة العامة للبلاد، إضافة إلى مناقشة البيان التي تتقدم به الحكومة لجهة إقراره.
ولعل في هذه الصلاحيات الواسعة، يكمن أحد أهم أدوار المجلس كهيئة ولجان، إذ يمكن للمجلس لعب دور كبير في إطار الموازنة وإمكانية إضافة كتل مالية لبعض الوزارات والمشاريع أوالعكس، فعلى سبيل المثال، إذا وجد المجلس أن الاعتمادات المخصصة لوزارة الزراعة لا تلبي حاجة قطاع الزراعة الذي هو قطاع أساسي في الدولة ومواردها واقتصادها، يمكن للمجلس أن يطلب من الحكومة زيادة الاعتمادات المخصصة لوزارة الزراعة أو أية وزارة أو جهة يرى المجلس ضرورة دعمها خدمة للمصلحة العامة. ومثال آخر يمكن أن نسوقه في هذا المجال، فقد ركز السيد الرئيس في خطابه في المجال الاقتصادي على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ودورها في تحريك عجلة الاقتصاد، ورفع مستوى المعيشة للسكان بشكل كامل، ولاسيما الأرياف، وهنا يمكن للمجلس عبر مناقشته لخطط التنمية وإقراره للموازنة لحظ ذلك، وتركيز الاستثمار في هذا القطاع الواعد، والذي يمنح فرص حقيقية لتنمية مستدامة سيما وأن الكثير من دول العالم أخذت تتبناه في خططها التنموية تحت عنوان “اقتصاد الفرص”.
والى جانب ذلك، ورد في خطاب السيد الرئيس بشار الأسد فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية نقداً واضحاً، وحاجة للتطوير والتغيير آخذاً في الاعتبار ظروف الدولة في ظل حرب مركبة عليها استهدفت شعبها واقتصادها ونظامها السياسي وجيشها وكياناتها ما أضعف موارد البلاد بحكم ما تعرضت له من نهب وتخريب وعقوبات، ما جعل سياسات الدولة الاجتماعية والاقتصادية ودورها الوظيفي التقليدي بحاجة إلى مراجعة عميقة، فدولة الخدمات تختلف عن دولة الرفاه، وكذلك عن دولة الحماية، فالدور الأبوي للدولة لم يعد ممكناً ضمن الظروف الحالية، وهذا لا يعني الانقلاب على الهوية الأساسية للنظام السياسي وهويته الاشتراكية، ولكن الأمر يتعلق بدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والخدمي، وضرورة مراجعته وإعادة بناءه على أسس تحفظ قوة اقتصاد الدولة وعملتها على التوازي مع دعمها للطبقات الفقيرة، بما يساهم في عملية تنمية متوازنة، ليس توازن بين الأقاليم والمدن والأرياف كما هو قائم فقط، ولكن تنمية متوازنة بين مساهمة الدولة ومساهمة المجتمع، وهذا يحتاج إلى سن تشريعات وقوانين جديدة على المجلس التصدي لها ومناقشتها مع الحكومة، وكل القطاعات المعنية برسم السياسة الاقتصادية، ولاسيما الأحزاب والمجتمع الأهلي والفعاليات الاقتصادية المختلفة، إضافة إلى أهمية قضية الانفتاح الاقتصادي الواسع على الرأسمالين الوطني والأجنبي، وجذب الاستثمارات ولاسيما لدى رأس المال المغترب، وضرورة تفعيل الدبلوماسية الشعبية، ولجان الصداقة، وشبكات العلاقات العامة في هذا الإطار، وهنا يبرز دور المجلس في سن التشريعات والقوانين التي توفر بيئة آمنة للمستثمرين، بما يضمن مصالحهم، سيما وأن سورية بلد واعد في هذا المجال سواء كانت المشاريع زراعية، أو صناعية، أو خدمية، أو في قطاع الطاقة والموارد وغيرها، ناهيك عن توفر العمالة ذات الكفاءة العالية، وأسواق الاستهلاك والتصدير بحكم موقع سورية الجغرافي وكونها واسطة العقد بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإطلالتها على البحر المتوسط الذي كان يسمى قبل آلاف السنين البحر السوري بحكم نشاط تجار سورية وتجارتها في ذلك الفضاء المتوسطي الواسع.
باختصار إن لمجلس الشعب دور كبير في ترجمة خطاب السيد الرئيس بشار الأسد فيما تعلق بالوضع الاقتصادي والنهوض به بإمكانياتنا الذاتية من خلال تحويل ما خص هذا الجانب من مساحة هامة في الخطاب، وضمن صلاحيات المجلس ومهامه، وذلك من خلال تطوير نظامه الداخلي بما يستجيب لذلك الدور المأمول، والجرأة في مراجعة ونقد القوانين والأنظمة والسياسات التي لم تعد تستجيب لضرورات المرحلة وخصوصيتها، والتطور الحاصل في المجتمع السوري، وأننا جزء من عالم لابد من التعامل مع مفرداته وحقائقه ومواكبة تطوراته والتشبيك مع روافعه حتى لا نصبح فعلاً ماضياً من خلال التمترس بايدولوجيا صلبة تبقينا داخل الصندوق.