تغييرات في السياسة اليابانية
هيفاء علي
أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أنه لن يسعى لمنصب زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في نهاية فترة ولايته التي تستمر ثلاث سنوات، حيث سيتمّ اختيار الرئيس الجديد في أيلول الجاري من هذا العام، خلال مؤتمر “الحزب الليبرالي الديمقراطي”، وسيصبح الرئيس المنتخب في المؤتمر أيضاً رئيس الوزراء الجديد للبلاد.
من المرجّح أن يتمّ إصلاح التركيبة الوزارية بعد تعيينه، وهذا ما فعله فوميوكيشيدا عندما أصبح رئيساً للحزب الليبرالي الديمقراطي والحكومة قبل ثلاث سنوات، وبعد ذلك قام بتغيير تشكيلة الحكومة عدة مرات.
أظهرت هذه الإجراءات للشعب الباياني أنه كان منخرطاً بنشاط في حلّ المشكلات التي تهمّهم، وعلى الرغم من كل تصرفاته، كان لدى هذا الشعب موقف سلبي تجاه سياساته، حيث بلغت نسبة الموافقة على سياسات كيشيدا 20٪ فقط.
بعد نشر البيان من قبل فوميو كيشيدا، قامت الصحف اليابانية الكبرى بتحليل السنوات الثلاث بأكملها من فترة ولايته، وتسليط الضوء على النجاحات والإخفاقات. فالأولى ترتبط بشكل رئيسي بسياسته الخارجية، والثانية بسياسته الداخلية، والسؤال الذي يواجه قادة “الحزب والحكومة” اليابانية هو: ماهية الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في الوضع الحالي؟.
واقع الأمر، يرجّح المحللون أن الأمر سيقتصر على مسألة البقاء السياسي للحزب الليبرالي الديمقراطي نفسه، خاصةً وأن الشارع الياباني سئم بالفعل من الحزب وسياساته، وبدأ السخط في الظهور في عام 2006، عندما تنحّى جونيتشيرو كويزومي عن منصبه كرئيس للوزراء، ومن ثم تمّ إحياء الحزب من قبل شينزو آبي في عام 2012. ولكن بكل المقاييس، مثل هذه الاحتجاجات رفيعة المستوى يجب أن يتبعها رد فعل جذريّ من حزب الليبرالي الديمقراطي، ويتوقع الخبراء اليابانيون أن تشهد البلاد في المستقبل حلّ البرلمان الحالي، وإجراء انتخابات عامة استثنائية، وسيتمّ تنفيذ هذه الإجراءات على أمل الحصول على تفويض جديد من الشعب لمواصلة قيادة البلاد.
ومن المتوقع أن يحدث ذلك فور انتهاء مؤتمر الحزب الليبرالي الديمقراطي وتشكيل حكومة مؤقتة، ففي سيناريو مماثل، وصل كيشيدا إلى السلطة بنفسه، وخلال العام الماضي كانت هناك تسريبات عن نيّته القيام بذلك مرة أخرى، فكيف يمكنه إنقاذ الحزب الليبرالي الديمقراطي؟.
في 14 آب الماضي، لعب كيشيدا دور الانتحاري الذي لا يزال يمتلك الصفات الشخصية اللازمة لمتابعة حياة سياسية نشطة، ومن خلال قبول المسؤولية الكاملة عن إخفاقاته، فإنه يمنح قيادة الحزب الفرصة لتقديم الحزب كقوة سياسية لم تفقد قدرتها على التحول الداخلي الجذريّ خلال 70 عاماً في قيادة الحزب، أو بالأحرى لإعطاء هذا الانطباع للناخبين.
إن اختيار رئيس جديد للحزب الليبرالي الديمقراطي، والذي كان محلّ إجماع، يمكن أن ينقذ الوضع ويصبح رمزاً لتجديد الحزب. في الماضي، كان رمز النجاح شينزو آبي، واليوم، من بين المرشحين المحتملين للحكومة الحالية الذين استشهدت بهم الصحافة اليابانية، لا يوجد أحد تقريباً قادر على الاضطلاع بمثل هذا الدور.
تجدر الإشارة إلى أن أنشطة شيجيرو إيشيبا، وزير الدفاع الياباني السابق، الذي يعتبر عضواً في الجناح اليميني المتطرف للحزب الليبرالي الديمقراطي، تكثفت في الآونة الأخيرة، حتى خلال فترة ولاية شينزو آبي، فقد ناضل من أجل التأثير على الحزب. وفي اليوم السابق لتصريح فوميو كيشيدا، كان شيجيرو إيشيبا في تايوان، حيث استقبله الرئيس ويليام لاي، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، وناقش الرجلان خلال المحادثة بشكل رئيسي قضايا التعاون الثنائي في مجال الدفاع والأمن.
في هذه المرحلة، من المفيد النظر إلى شينجيرو كويزومي الذي انضمّ في عام 2019 إلى الحكومة الأخيرة بقيادة شينزو آبي كوزير للبيئة، ولا يزال يشغل هذا المنصب حتى اليوم في حكومة كيشيدا. بشكل عام، سوف تجد قيادة الحزب الديمقراطي الليبرالي نفسها حتماً في حالة من المداولات المعقدة، حيث سيتعيّن عليها أن تضع في اعتبارها سلسلة من العوامل المترابطة في عملية حلّ القضية الرئيسية: ما هي الرمزية المصاحبة لاستقالة فوميو كيشيدا؟.
يبدو أن الطبيعة نفسها شجّعت رئيس الوزراء الحالي على التخلي عن كل هذا التحريض السياسي، ففي الأشهر الأخيرة تعرّضت اليابان لزلازل وأعاصير مدمرة، وبعد أن أعلنت الخدمات ذات الصلة عن احتمال كبير لحدوث “زلزال ضخم”، ألغى كيشيدا رحلة مخطّطة منذ فترة طويلة إلى آسيا الوسطى ومنغوليا، والتي لا تزال أهميتها في السياسة الخارجية لليابان تتزايد.
وبالتالي، فإن تاريخ إعلان كيشيدا بشأن استقالته الفعلية من منصب رئيس الحزب الحاكم لا يمكن إلا وأن يجذب الانتباه، ومن الجدير بالذكر أنه قبل 79 عاماً، في ليلة 14-15 آب، أعرب الإمبراطور الياباني آنذاك هيروهيتو في خطاب متلفز عن استعداده لقبول شروط مؤتمر بوتسدام، والتي تمّت صياغتها قبل ثلاثة أسابيع من قبل الحلفاء المتعارضين. ومنذ ذلك الحين، يتمّ الاحتفال بتاريخ 15 آب من كلّ عام في اليابان من خلال سلسلة من الأحداث التي تهدف إلى تكريم النهاية الكارثية للحرب.