دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.. من وحي كلمة الرئيس الأسد في مجلس الشعب في افتتاح الدور التشريعي الرابع
د. سليمان علي
د. محمد الغريب
كان خطاب السيد الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب خطاباً استثنائياً حمل بين طياته الكثير من المعطيات الاقتصادية المهمة، والتي شخصت الواقع الاقتصادي في سورية تشخيصاً دقيقاً بكل شفافية.
شدد الرئيس الأسد على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وجعله في مقدمة العناوين، واعتبر أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي تقريباً كل شيء في كل مكان في كل مجال، لذلك هي جزء أساسي من الاقتصاد، وفي معرض حديث سيادته عن هذه المشاريع بينّ أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة ليست محوراً داعماً للاقتصاد، بل هي عصب الاقتصاد.. هي عصب الاقتصاد للدول الصناعية الكبرى أيضاً للاقتصاديات من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وأوضح سيادته أننا عندما ندرس الأرقام والنتائج الاقتصادية أهم شيء فيها هذا المستوى من الاقتصاد.
دعونا نتوجه من وحي خطاب الرئيس الأسد لدراسة الأرقام، و الدراسات العالمية حول المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إذ تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن البنك الدولي بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمعروفة بالمختصر الإنكليزي (SMEs) تشكل 90 % من إجمالي عدد المؤسسات والأعمال حول العالم، وهذه المشاريع توظف ما يقارب 50% من عدد الموظفين حول العالم، وتساهم هذه المشاريع بنسبة 40 % من الناتج الإجمالي المحلي في الاقتصاديات الناشئة، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على مستوى الاقتصاديات المتقدمة، إذ أن إحصائيات منظمة التجارة العالمية تبين بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل 90% من إجمالي عدد المؤسسات في الدول المتقدمة، وتساهم بنسبة 55 % من الناتج الإجمالي المحلي للدول المتقدمة، وتقوم بتوظيف ما نسبته 60 إلى 70 % من الموظفين في هذه الدول، وهذا ما يؤكد على الأهمية الكبيرة لهذا القطاع على مستوى جميع اقتصاديات العالم.
من خلال تركيز الرئيس الأسد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة في خطابه، فإنه يوجه البوصلة إلى أولوية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فهي السبيل للنهوض في الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة، وهذا استمرار للنهج الذي اتبعه سيادته في الدعم الكبير لهذا القطاع خلال الأعوام الفائتة، وفي مراجعة سريعة للدعم الذي وجه به السيد الرئيس لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية خلال السنوات السابقة، فإن ذلك يظهر جلياً في توفير البيئة الداعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في الكثير من القوانين، نذكر منها إحداث هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فقد أصدر الرئيس الأسد القانون رقم 2 لعام 2016 القاضي بإحداث هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي حلت محل الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، ليكون التوجه أكبر نحو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ووجود هيئة عامة لدعم هذه المشاريع على مستوى الجمهورية العربية السورية يساهم بشكل كبير في تطوير هذا القطاع، والتخطيط له بما يتلاءم مع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية.
أما على صعيد تمويل المشاريع الصغيرة، فقد أصدر السيد الرئيس القانون رقم 8 لعام 2021 والذي شكل نقلة نوعية على صعيد تمويل المشاريع الصغيرة، فقد حول هذا القانون مؤسسات التمويل الأصغر إلى مصارف تمويل أصغر، وأتاح القانون للمشاريع الصغيرة منح التمويل سواء بضمان أو بدون ضمان حسب تقدير مصرف التمويل الأصغر، وكذلك أعفى القانون عملاء مصاريف التمويل الأصغر من جميع الرسوم على العمليات التي يجرونها مع مصرف التمويل الأصغر بما فيها رسوم الرهن ورسم الطابع، وكذلك أصدر سيادته القانون رقم 18 لعام 2024 والذي عدل بموجبه المادة رقم /16/ من القانون رقم /8/ لعام 2021، وبموجب القانون الجديد تم إعفاء مصارف التمويل الأصغر من ضريبة الدخل المترتبة على جميع أعمالها وكذلك إعفائها من جميع الرسوم على عملياتها وهذا ما يمكنها من تخفيض التكاليف، وبالتالي دعم عملياتها بشكل أكبر وتوفير المزيد من الدعم لعملائها، كذلك أعفى القانون الجديد عملاء مصارف التمويل الأصغر من ضريبة الدخل المترتبة على ريع الودائع، وهذا ما يشجع عملاء هذه المصارف على زيادة الودائع لديها، وبالتالي يحسن من كتلة الودائع لدى المصرف ويمكنه من منح المزيد من القروض والدعم للمشاريع الصغيرة.
وفي عام 2023 تم اعتماد دليل تعريف المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من قبل مجلس الوزراء في سورية، وبموجبه تلتزم الجهات المعنية بتطبيق هذا الدليل بتحديد الوحدة التنظيمية المكلفة لديها بتطبيقه، وهذا الدليل يساهم في وضع الأسس لتنظيم العمل في هذا القطاع وبناء قاعدة بيانات متكاملة لهذا القطاع.
وقد اختتم الرئيس الأسد حديثه عن المشاريع الصغيرة بعبارة “بكل الأحوال العناوين المطروحة كثيرة جداً لمناقشتها وإقرار المناسب منها وتحمل مسؤولية الاقتراح أو الإقرار أو التنفيذ أو الرفض من قبل كل مؤسسة من المؤسسات، يعني حتى الرفض فيه مسؤولية لأن من يرفض عليه أن يتحمل مسؤولية نتائج هذا الرفض”
وبدورنا كأساتذة جامعيين في كلية الاقتصاد بجامعة حلب نحمل مسؤولية الاقتراح للحلول ومن هذا المنبر، فإننا نقترح إطلاق خارطة استثمارية لدعم المشاريع الصغيرة مبنية على الميزة النسبية لكل محافظة سورية بحيث يتم دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وفق هذه الخارطة، وبحيث يكون الدعم للمشروع الصغير وفق الميزة النسبية ففي مدينتي دمشق وحلب يمكن توجيه الدعم للمشاريع الصغيرة القائمة على الصناعات الصغيرة كورش الألبسة أو الحرف اليدوية وفي اللاذقية وطرطوس يمكن توجيه الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة السياحية، وفي الأرياف يكون توجيه الدعم للمشاريع الزراعية، وبذلك يكون الدعم الحكومي للمشاريع الصغيرة أكثر فاعلية، ويمكن تأسيس هذه الخارطة الاستثمارية بوجود فريق من الخبراء الاقتصاديين من الأساتذة الجامعيين في كليات الاقتصاد، ومن المسؤولين في مواقع القرار على مستوى الوزارات والمحافظات، كذلك من المهم أن تقوم هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بدور أكبر في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وزيادة الموازنة الخاصة بهذه الهيئة، وكذلك رسم استراتيجيات تعتمد على اللامركزية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحيث يتم الدعم على مختلف المحافظات والمدن والقرى، وهذا ما أكده سيادته في خطابه بأن هذا النوع من المشاريع لا يمكن أن ينجح في ظل المركزية الشديدة، لأنه يعتمد على تطور المؤسسات العديدة ذات العلاقة بهذا القطاع بل أنه يعتمد على اللامركزية.
* عميد كلية الاقتصاد جامعة حلب
** رئيس قسم التسويق في كلية الاقتصاد جامعة حلب