سينما الطّفولة واليافعين.. حقيبة إنتاجية شبه معدومة
نجوى صليبه
يتحدّث الممثّلان الشّابان ربيع وشادي جان عن تجربتهما في السّينما بشكل عام، وسينما الطّفل بشكل خاص، ويفصلان بين الأفلام التي شاركا فيها إلى أفلام فيها حضور طفلي لإرسال رسائل ما، وأفلام لجأ صنّاعها إلى الطفل لخلق مشهد كوميدي، كما يتحدّثان عن أهمية التّدرّب الذي تلقياه في معهد متخصّص لتدريس التّمثيل، ما سهّل عليهما الكثير من الأمور وخفّف المشكلات التي قد يتعرّض لها طفل يمثّل من دون تلقّي تدريب مسبق، يقول شادي: “يوجد أحياناً مواهب قد لا تحتاج إلى تدريب ويتمّ الاشتغال على عفويتها، لكن التدريب مهمّ جدّاً ويجعل الطّفل أكثر تفاعلاً أمام الكاميرا، وطبعاً هناك استثناءات، والأمر نسبيّ، فبعض المخرجين يفضّل طفلاً غير متدرّب، حفاظاً على بساطته وعفويته، أما بالنّسبة إليّ فعاملني المخرجون كممثّل لا كطفل، أي تعامل مهنيّ”.
بدوره، يقول ربيع: “كان هناك صعوبات في تجربتي السّينمائية الأولى، تتعلّق بكيفية التّعاطي مع الشّخصية، وهذا تجاوزته بتعاون المخرج وبالاجتهاد الشخصي لكوني أيضاً درست في معهد متخصّص بتدريس التّمثيل، وكنت محظوظاً ومستمتعاً بممارسة ما أحبّ”.
دراسة وعمل أهّلا ربيعاً ليكون محكّماً في مهرجان الشّارقة لأفلام الأطفال والنّاشئة ومن ثمّ سفيراً للمهرجان في سورية، ما مكّنه من الاطّلاع على نتاج الدّول الأخرى في هذا المجال، يقول: “من خلال مشاهدتي لأفلام متنوعة، وجدت أن سينما الطّفل تعاني، ولدينا قلّة، ولا أعرف إنّ كانت مقارنة سينما الطّفل لدينا بدول تقدّم أفلاماً عديدة صحيحة”.
بدأ شادي وربيع جان التّمثيل وهما طفلان، وتابعا فيها شابان يافعان ولهما تجربتهما السّينمائية المميزة، لكن هل هناك فرق بين سينما الطّفل وسينما اليافعين؟ يوضّح المخرج يزن أنزور: “أتحدث كمخرج.. طبعاً هناك فرق، ففي سينما الطّفل نحن بحاجة إلى استيعاب الطّفل والعيش معه، وأنا أحاول تهيئة مكان مناسب له، وأقيم علاقة جيدة لكسب ودّه وثقته، فهو لا يعدّ الأمر وظيفةً، بل نشاطاً، كما أنّه لم يدخل باحترافية قد يكون اليافع بدأ يفكر بها، لذا نخلق لديه دافعاً ورغبةً للعمل معنا بطاقة إيجابية، ونفهمه كيف يقبل الأفكار التي نطرحها، ثمّ نهيئ له المناخ المناسب ونتحدث إليه، ولا يجوز أن يكون المخرج عصبياً معه، لأنّه لا يستوعب ذلك، ولأنّ هذا لا يجوز في ظلّ انعدام فرق تأهيل الأطفال بشكل حقيقي، لذا يختلف اليافع عن الطّفل فربّما يكون لديه تجارب تمثيلية في الطّفولة، وفي اليفاعة بدأ يحدّد حلمه في أن يكون ممثلاً وهنا يمكن التعامل معه بطريقة احترافية أكثر”.
يكتب أنزور نصوص بعض أفلامه، فهل يعود ذلك إلى أزمة نصوص؟ يجيب: “لا أدّعي الكتابة، لكن دخلتها كمخرج، فأنا أؤمن بالاحترافية، لكنّي مضطر، ومع ذلك أتمنى أن يكون معي كاتب محترف لديه اطّلاع إنتاجي وسينمائي وفنّي قبل الأدبيّ، ويجب أن يكون نصف مخرج يكتب نصّ مشهد واضح بعيداً عن الحشو، بحبكة وإيقاع وسرد مضبوط”، مضيفاً: “أنا مع فكرة التّعاون بين الكاتب والمخرج، لكن لست مع أن يصحّح المخرج نصّ الكاتب”.
وخلال النّدوة التي أقامها المركز الثّقافي العربي في “أبو رمانة”، وردّاً على سؤال عمّا إذا الكتّاب والمخرجون يخافون العمل في سينما الطّفل على عكس الهواة؟ يجيب أنزور: “لا أعتقد بأنّ الهواة هم فقط من يهتمّ بهذا الموضوع، فهناك مخرج يأخذ فرصاً كثيرة وهذا نعتب عليه ويجب التّحدّث معه، وهناك مخرج لديه فرصة واحدة وربّما لديه مشروع فيستغل الفرصة لتنفيذه”.
مشكلة من مشكلات تعانيها سينما الطّفل في سورية، يضيف أنزور عليها: “لدينا مشكلة بالإنتاج، مثلاً عندما يعطى المنتج فرصةً ما، يقع بين خيارين: هل يغامر أم يكسب؟، والبعض يختار الكسب لأنّ الفرص تأتي بصعوبة، والأمر الآخر هو أنّ لكلّ جيل سماته وخصوصيته وسلوكياته، وعلى الرغم من كوني مواكباً للتّكنولوجيا والأفلام الحديثة هناك صعوبة بالتّواصل مع هذا الجيل، لأن الجوّال بواباته مفتوحة ومن خلالها يخاطب العالم، كما أنّه من الصّعب إقناعه بكثير من الأمور، والمتغيّرات متسارعة ولا يمكن اللحاق بكلّ شيء، وبالإضافة إلى ذلك لا يوجد لدينا شبّاك تذاكر، وهذا مردّه إلى أسباب عدّة، ولدينا أيضاً مشكلة اقتصادية، فأنا لا أستطيع الخروج من منزلي وحضور فيلم كلّ يوم في صالة السّينما، وهذا أمر سيئ، فالمخرج ينجز فيلماً لمشاهدته في صالات السّينما لا على شاشات الجوّالات، أمّا المنتج فليس جريئاً، وليس لديه إيمان بالسّينما وللأسف بعض المنتجين ليس لديه ثقافة وهمّه المال فقط، ومن مفرزات الأزمة أنّنا نصطدم برأسمال غير مثقّف، وهذا أيضاً أثر على السّينما بشكل عامّ ومن ضمنها سينما الطّفل، وأنا لا ألوم المؤسسة العامّة للسّينما لأنّها اشتغلت في هذا المجال، بل ألوم القطّاع الخاصّ لأنّه بعيد تماماً عن السّينما ويعدّها نكرة”.
وبالانتقال إلى النّاقد السّينمائي ومدير المكتب الصّحفي في المؤسسة العامّة للسّينما نضال قوشحة، وبسؤاله عمّا إذا كان في سورية سينما طفل، يجيب: “الطّفل موجود في السّينما السّورية منذ بداياتها في فيلم “اليازرلي” 1974 الذي أخرجه قيس الزبيدي، وفيه طفل ابن بيئة ساحلية فقيرة يضطر للعمل في الميناء من أجل مساعدة والده، أي السّينما السّورية طرحت الطفولة بمعنى الشقاء الإنساني، وفيلم “أحلام المدينة” 1982 لمحمد ملص، ليكون اليافع “ديب” التيرمومتر الذي أوجده ملص للتعايش مع حلم سياسي عربي هو الوحدة، وكان هناك عشرات الأفلام لاحقاً في هذا المجال، كما أنّ دائرة السّينما في التّلفزيون أنتجت أفلاماً عدّة حول مشكلات اليافعين في المجتمع السّوري، وحديثاً واكبت السّينما السّورية الـ”إنيميشن” وأنجزت أفلاماً مثل “الجرة” -قطاع خاص- و”خيط الحياة” إنتاج المؤسسة العامة للسّينما، وتناولت مواضيع أسرية واجتماعية متعدّدة، وباختصار أقول إنّ موضوعات الأطفال وعوالمهم موجودة بشكل واضح في سينما الأطفال”.
ويبيّن قوشحة أنّ سينما الطّفولة تجذب النّقاد أكثر من سينما اليافعين لأنّ الثّانية تتطلّب جهداً أكبر من أفلام الأطفال، وبسؤاله عن المطبّات التي وقع فيها من يتوجّه سينمائياً إلى الطفل واليافعين، يجيب: “أوّل مطبّ هو أنّه لم يتعامل مع الطفل على أنه في حالة حوار، فكثير من المبدعين وخاصة الكتّاب يتعاملون مع اليافع على أنّه شخص يجب عليه تلقف ما نقول، وهذا لا يجوز، ولاسيّما أنّنا بتغيّرات يومية عالمية، لذا يجب صنع حكائية معينة وتقديم واقعه بشكلٍ يستمتع به، ويجب تحديد الوقت والبيئة والهدف، وهذا بحاجة إلى فريق عمل كامل، وجزء كبير من المبدعين لا يعرف أو ربما لا يريد إجراء هذا الحوار، بالإضافة إلى أن الحقيبة الإنتاجية إجمالاً لسينما الطفل غير مريحة وتكاد تكون معدومة عربياً وفي سورية شبه معدومة، وأنا رئيس دائرة سينما الطّفل في المؤسسة منذ 17 عاماً، ولم ننجز خلالها سوى ثلاثة أفلام”.