ميكروفونات موسمية؟!
بشير فرزان
لم يختلف الصخب والضجيج حول موسم الحمضيات عن الأعوام السابقة، بل على العكس فقد علا صوت الميكرفونات، وتعددت الجهات التي شددت على أهمية محصول الحمضيات كمحصول استراتيجي على مستوى المنطقة الساحلية، وارتباطه بكل أسرة، سواء بالزراعة أو التسويق أو التصنيع، مع تكرار ممل وشاذ بالنتائج لسيناريو الاهتمام الحكومي الخاص لجهة تسهيل عمليات التسويق والتصدير وتقديم كافة أشكال الدعم بما يضمن الاستفادة من كامل المحصول، وتحقيق عائد اقتصادي جيد للفلاح والدولة، من خلال العمل والتعاون بين كافة الجهات المعنية لتسويق 688 ألف طن، وهي تقديرات الإنتاج للموسم الحالي.
ومع متابعة الاجتماع الموسع الخاص بتسويق موسم الحمضيات، تكررت الكلمات المفتاحية لكل جهة (عقد.. اجتمع.. ناقش.. أشار.. بيّن.. دعا.. استعرض.. طالب..)، لنجد استمرار المعاناة ذاتها، فدروس التكرار غائبة، ففي كل عام نسمع أنين الفلاح وصرخاته، وفي كل عام أيضاً نكون شهود زور على خلاصة الإجراءات القادمة من خلف الطاولات المهووسة بإطلاق الوعود الرنانة، والعزف على أوتار الظروف والتحديات التي تعيد كتابة نعيّات الكثير من المواسم التي باتت إنتاجيتها العالية عبئاً كبيراً على الفلاح، بخلاف كل القواعد الزراعية والمعادلات التجارية.
وطبعاً، الدوامة التي تغيب فيها الجهة الفاعلة في عمليات تسويق الحمضيات تبقى في مقدمة المشكلات؛ وللأسف، حتى جرعة من “المنتج إلى المستهلك” لم تضمن العدالة للفلاح من حيث الأسعار والتسويق؛ وطبعاً هذا الغياب يفرض حضور ذلك الطرف الثالث، وهو الرابح الأكبر دائماً: التاجر الذي يعرف كيف يجني عرق الفلاح وجهوده على مدار العام. وفي وقت تدعي صاحبة المبادرات “التجارة الداخلية” جهوداً متميزة لها بتسويق آلاف الاطنان، محلياً وخارجياً، نجد أن الفلاح لا يستطيع تعويض ثمن العبوات المستخدمة لنقل منتجاته، إضافة إلى ارتفاع ثمن الأسمدة بكافة أنواعها، كيماوية كانت أم طبيعية، وارتفاع أجور اليد العاملة وتكاليف الإنتاج والخدمات الأخرى، دون أن ينعكس ذلك على أسعار الحمضيات، ما يجعل المنتج (الفلاح) الجهة المتضررة فقط، ومع ذلك كله لا أحد يتعلم أو يدرك حقيقة ما يجري، فيقع الجميع من جديد في حفرة الأعوام السابقة!!
ولا شك أن طمر مشروع معمل العصائر في مرحلة عدم الجدوى الاقتصادية يبيّن مدى تخبط الجميع في شرانق الخطط التي ما زالت عالقة في فخ إيجاد وصفة عصيرية يمكن، من خلالها، الانتقال إلى مرحلة صناعة الحمضيات، وهذا ما يشير بالمطلق إلى فشل المخطط الزراعي الذي وزع سلّة زراعة غير مؤهلة للتصنيع، فأكثر من 80% من الحمضيات السورية غير عصيرية، أي إن نسبة العصير فيها لا تتجاوز 35%، وبذلك تكون غير مجدية اقتصادياً، أما الأصناف العصيرية الموجودة، والتي تصل نسبة العصائر فيها إلى 65%، ومن أشهرها “الفالنسيا”، فنسبتها من الحمضيات السورية لا تتجاوز 15%.. فلماذا يستمر هذا الصراخ الصناعي الزراعي؟
وبالاستماع الدائم لصخب التصريحات المسؤولة الخالية من الفاعلية، وبالقراءة المتأنية لمداولات السادة المسؤولين خلال الاجتماعات، ومتابعة ما ينفذ على الأرض، نجد أننا هذا العام سنطلب أيضاً من فلاحنا قراءة الفاتحة على موسمه الذي تنعيه الإجراءات المنفذة من قبل الجهات المعنية، ولن نتوانى بتقديم النصيحة لاتحاد الفلاحين باستثمار المئة مليون ليرة – التي خصصها سابقاً للمشاركة في إقامة معمل العصائر – في إقامة منشآت للتوضيب والتعبئة التصديرية، وبذلك تتحقق المنفعة الفلاحية..