ثقافةصحيفة البعث

افتتاحيات أوبرالية مشهورة بأنامل الفرقة السيمفونية الوطنية

ملده شويكاني

كيف استطاعت “كارمن” الفتاة الغجرية اللعوب تحويل حياة رجل القانون الضابط “دون جوزيه” إلى مجرم خارج عن القانون بعد أن فقد السيطرة على نفسه وطعن حبيبته “كارمن” بالسكين، “لقد قتلت المرأة التي أحب”، وهي ذاهبة للقاء حبيبها مصارع الثيران، أوبرا كارمن المليئة بالمشاعر الوجدانية المختلطة بين الإغواء والحب والغيرة والانتقام، التي ألّفها “جورج بيزيه”، وحفلت بموسيقا ورقصات الفلامنكو، باحت بها الموسيقا فكانت أكبر إحساساً من كلّ الكلمات، حينما عزفتها بقوة موسيقية الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان في دار الأوبرا بتفاعل الجمهور الكبير، فتداخلت ألحان النحاسيات وآلات النفخ الخشبية والوتريات في أمسية “افتتاحيات أشهر الأوبرات” التي جمعت بين العصور والتاريخ والشخصيات والحبكة الدرامية والشعر الغنائي والتأليف الموسيقي.

وقد اختارها المايسترو باغبودريان بدقة وارتأى تقديمها في نهاية الصيف لتكون بداية وأملاً بتقديم الأوبرات كاملة.

وخلال الأمسية قدّم باغبودريان ملخصاً لمضمون كلّ أوبرا، منوهاً بأن الافتتاحية مقطوعة موسيقية تمهيدية، إما أن ترتبط بأحداث الأوبرا وبالألحان التي ستغنّى وتتكرر ضمن العمل الأوبرالي، أو أن تكون منفصلة لا تتعلّق بتتابع أحداث الأوبرا وتأخذ دورها بالتمهيد فقط لحكاية الأوبرا، وتابع القول: “ترجم كلّ مؤلف المشاهد والحكايات بما فيها من شخصيات وتغييرات بطريقة مختلفة وفق المدرسة التي ينتمي إليها وما كان سائداً في عصره”.

وافتُتحت الأمسية بافتتاحية أوبرا “زواج فيغارو” الأكثر انتشاراً في العالم، والقريبة من الجمهور للمؤلف “ولفغانغ أما ديوس موزارت”، وتدور أحداثها حول الكونت “ألمافيفا” الذي يعد خادمه “فيغارو” بتزويجه الخادمة “سوزانا”، لكن نواياه لم تكن طيبة لأنه يقع بحب “سوزانا”، وخلالها تحدث مؤامرات ودسائس، لكن الحبّ ينتصر ويتزوّج “فيغارو” و”سوزانا”، وأشار باغبودريان إلى أن ألحان الافتتاحية لا تتعلق بالأوبرا، إنما كانت بمنزلة تحضير للجمهور لما تحمله من أحداث. فبدأت بالوتريات ومن ثم تصاعدت الألحان مع آلات النفخ الخشبية والنحاسيات، تخلّلتها ضربات التيمباني وتمضي الأحداث بانتقالات موسيقية تمهّد لامتدادات وترية تنخفض وتتسارع، لتأتي القفلة بحركة متكررة.

وإلى افتتاحية “إيغمونت لودفيغ فان بيتهوفن” وكما ذكر باغبودريان فهي ليست أوبرا، إنما عمل موسيقي درامي مؤلف من افتتاحية وتسعة مقاطع غنائية منفصلة، وهي عمل غنائي مسرحي موسيقي تحكي عن قصة الكونت “إيغومنت” الهولندي الذي ضحّى بحياته وهو يدافع عن بلده أثناء الاحتلال الإسباني، فمهّدت ألحان آلات النفخ الخشبية بلحن رقيق إلى الحدث ومن ثم تصاعدت الألحان بدور الكلارينيت والفلوت، ومن ثم بقوة النحاسيات المتوازية مع التكثيف الوتري.

وإلى المؤلف “جوزيبه فيردي” وافتتاحية أوبرا “لاترافياتا” وقصة “فيوليتا” الفتاة الجميلة التي تحبّ حياة الصالونات إلى أن تلتقي بـ”ألفيردو” وتعشقه، لكنها تصدم برفض والده لها لأنها غير مناسبة له ويريد تزويج ابنه من فتاة تنتمي إلى عائلة عريقة فيرفض زواجهما، والمأساة أن موافقته تأتي متأخرة في اللحظة التي يفتكّ داء السل بـ”فيوليتا”، فانعكست مشاعر الحزن على الافتتاحية التي استخدم فيها “فيردي” اللحن الذي تغنيه “فيوليتا” وتكرّره، وهي مستوحاة من رواية تمّ تحويلها إلى فيلم سينمائي، فبدأت بالوتريات الحزينة، لتمضي بتكرار اللحن بتأثير الإيقاعيات اللحنية مع آلات النفخ الخشبية بدور الباصون وصولاً إلى القفلة الحزينة المتدرجة حتى السكون.

وإلى “جواكينو روسيني” الذي قدّم افتتاحية أوبرا “حلاق إشبيلية” بشكل مرتبط مع أوبرا زواج “فيغارو”، والمفروض أن تسبقها “فبروزين” تعيش مع شخص كبير وصيّ عليها، وهو الدكتور “بارتولو” يحبها على الرغم من فارق العمر، لكنها تحبّ الكونت “ألمافيفا”، فيطلب من “فيغارو” الحلاق مساعدته ليخطفها، وبعد سلسلة من الأحداث يتزوّج الحبيبان، وتتميّز بتكثيف وتري لجزء من الوتريات، ومن ثم الزخم الموسيقي القويّ بدور النحاسيات وانضمام البوق بالتزامن مع الامتداد الوتري، ليعود اللحن الأصلي وتنتهي بالقفلة القوية المتتالية.

أما افتتاحية أوبريت “سلاح الفرسان الخفيف” للمؤلف “فرانز فون سوبيه” فتعدّ من أكثر الافتتاحيات الموجودة والمعزوفة، في حين العمل ككل كان من أندر الأعمال المعزوفة، ما يشير إلى شهرة الافتتاحية من دون العمل، فكانت من نمط آخر وقد تمّ توظيفها سينمائياً بفيلم يحمل الاسم ذاته، وتعتمد على الإيحاءات القوية لتأثير النحاسيات الدالة على مضي الفرسان بأرض المعركة، فبدأت بالبوق والنحاسيات لتتداخل مع آلات النفخ الخشبية على وقع الطبل الكبير والتيمباني مع التصاعد اللحني بدور خط النحاسيات والصنجات مع الفرقة ككل.

وإلى “يوهان شتراوس” الابن والفالسات وافتتاحية أوبريت “الخفاش”، وقد وظّفت سينمائياً ومسرحياً، وتميّزت بحركة الوتريات السريعة مع انضمام نغمات الهارب ما أعطى بعداً ساحراً للألحان.

وكان الاختتام مع افتتاحية أوبرا “قوة القدر” لـ”جوزيبه فيردي” بتشكيلة مختلفة وبلغة مختلفة، إذ استخدم فيها ألحاناً موجودة داخل الأوبرا، خاصة بأغنية “سلام- سلام” بدور الفلوت والكلارينيت ضمن ألحان آلات النفخ الخشبية وقوة النحاسيات إلى القفلة المتتالية بدرجة مرتفعة، إيماءة إلى مواجهة البطل مصيره المحتوم بالموت على الرغم من هربه منه مرات عدّة.