عن أي كرامة تتحدث هاريس؟
عناية ناصر
زوّدت الولايات المتحدة، التي تقول إنها تعمل بلا كلل من أجل وقف إطلاق النار، “إسرائيل” أيضاً بلا كلل بالمعدات والأسلحة العسكرية، حيث هبطت مؤخراً الطائرة الأمريكية رقم 500 التي تنقل المعدات العسكرية إلى الكيان. لم تتوقف شحنات إمداد “إسرائيل” بالأسلحة أبداً، فمنذ تشرين الأول من العام الماضي، سلّمت 500 طائرة نقل، و107 سفن أكثر من 50 ألف طن من الأسلحة والمعدات العسكرية قادمة من الولايات المتحدة إلى “إسرائيل”، ووصفت وزارة الحرب الإسرائيلية الإمدادات بأنها “حاسمة للحفاظ على القدرات العملياتية للجيش الإسرائيلي خلال الحرب الجارية”.
ويبدو لن تتراجع المرشحة الديمقراطية للرئاسة ونائبة الرئيس الحالية، كامالا هاريس، عن اتجاه إدارة بايدن في التواطؤ ودعم الإبادة الجماعية، حيث صرّحت وبشكل واضح بأنها ستدافع دائماً، وفق زعمها، عن حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، وستضمن دائماً أن تتمتّع “إسرائيل” بالقدرة على الدفاع عن نفسها. كما زعمت أن الفلسطينيين “سيتمكنون من تحقيق حقهم في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير” عندما يتمّ إطلاق سراح الأسرى، ويتمّ التوصل إلى وقف إطلاق النار، ووضع حدّ للقتال في غزة.
للحقيقة التي تتجاهلها هاريس، أنه حتى قبل الإبادة الجماعية، لم يتمتّع الفلسطينيون بأي من هذه التخمينات والوعود التي أطلقتها الأمم المتحدة، فهل تعني هاريس أن الفلسطينيين سوف يتمتّعون بهذه المزايا والحقوق بعد أن يقتلوا؟.
من المؤكد أن الولايات المتحدة تتفوّق في الأخير، ففي حين كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يستعرض عضلاته خلال محادثات وقف إطلاق النار الأخيرة، ظلّ التزام واشنطن بالإبادة الجماعية ثابتاً كما كان دائماً، فمصير الفلسطينيين يكمن في أيدي قوة إمبريالية تساعد المستعمر على إبادة السكان الأصليين. وبهذه الطريقة فقط يمكن للحكومة المتواطئة في الإبادة الجماعية أن تتحوّل إلى رمز لمفاوضات وقف إطلاق النار، فبدلاً من إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية لعدم موافقتها على وقف إطلاق النار لصالح “إسرائيل”، على سبيل المثال، لماذا لا يصدر بلينكن بياناً بسيطاً يقول إن وراء مسرحية وقف إطلاق النار شحنة جديدة من الأسلحة لـ”إسرائيل”؟.
إن الغرض من محادثات وقف إطلاق النار ليس أكثر من مجرد وسيلة، ليس فقط لمواصلة الإبادة الجماعية، بل وأيضاً لتقليص مثل هذه الجريمة البشعة والشنيعة إلى أقل من انتهاك لحقوق الإنسان الطبيعية. وبعد كلّ شيء، إن التهجير القسري والتوسع الاستيطاني، وتحوّل شواطئ غزة إلى مدينة خيام كاملة، وجعل الإبادة الجماعية أمراً طبيعياً ليس بالأمر المهمّ كثيراً بالنسبة للأمم المتحدة، التي تركز على الدبلوماسية أكثر من العمل السياسي لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، فمع كل جريمة حرب ترتكبها “إسرائيل”، تتحصّن الأمم المتحدة أكثر في دور المتفرج، وتصريحاتها منفصلة كما كانت دائماً عن الواقع، بينما يغتسل الفلسطينيون قسراً بدمائهم، من خلال استهدافهم وبشكل يومي. عن أي كرامة تتحدث هاريس وما هي الحاجة الملحّة لوقف إطلاق النار التي يقترحها بلينكن؟.
إن وضع كلّ هذه الأسلحة جانباً لن يفيد “إسرائيل”، وخاصةً بعدما أصبحت غزة بأكملها هدفاً مشروعاً في الرواية الإسرائيلية، ولا ينبغي أن تكون هناك حاجة حتى إلى مناقشة حماية الأرواح البشرية، ولا حتى الطريقة التي ينبغي بها القيام بذلك، وبما أن “إسرائيل” والولايات المتحدة اختارتا الإبادة الجماعية، فمن الواضح أنه من المربح للجميع أن يستمروا في دعمها.