المشروعات المتوسطة والصغيرة تدعم الاقتصاد وترفع نسبة الإنتاج وفرص العمل
محمد العمر
رغم أن المشروعات المتوسطة والصغيرة تلعب دوراً بارزاً في عملية التنمية الاقتصادية ورفد سوق العمل بمئات من فرص العمل، ودورها لا يقلّ أهمية عن دور منشآت الأعمال الكبيرة، إلا أن هذه المشروعات لم تلقَ إلى الآن النصيب الجيد من العمل من الدعم والتمويل، حتى إن أغلبها يعتبر مغيباً ولا يدخل ضمن السجلات الاقتصادية النظامية، ليتمّ الحديث اليوم عن أسس تطويرها وإعداد التشريعات الخاصة بها بأطرها القانونية والتنظيمية، وقد اعترفت وزارة الاقتصاد مؤخراً بوجود أخطاء متراكمة من عدم معرفة أي المشروعات التي يقوم عليها الاقتصاد السوري.
ما يعيقها..!
الصناعي عاطف طيفور أكد لـ “البعث” أن المشاريع الصغيرة هي الداعم الأساسي للاقتصاد العام، ومنها انطلقت كافة المعادلات الاقتصادية الإيجابية وأهمها رفع نسبة الإنتاج ومكافحة البطالة ورفع نسبة الطبقة الوسطى بالمجتمع ومكافحة الفقر والهجرة من الأرياف للمدن، وتميّزت هذه المشاريع الصغيرة باعتبارها مرنة وأكثر انتشاراً ولا تتأثر بالضغوطات الداخلية والعقوبات الخارجية.
وحسب قوله، فإن مشكلة أغلب المشاريع الصغيرة الحالية هي أنها تقع تحت مظلة اقتصاد الظل، ما ينعكس سلباً على توسعها وتطورها، ولا يمكن دخولها الأسواق التجارية لعدم توفر التراخيص والفوترة، وليس لها فوائد على مستوى الرسوم والضرائب، وتستجر مخصّصاتها وموادها من السوق السوداء.
وأشار طيفور إلى أن أكبر عائق أمام المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر هو العقار والمال، وتأمينها للمشروع؛ وفي وقت قد تكون الحوافز والتسهيلات المقدّمة حلاً جيداً لتوسعة نسبة محدودة من المشاريع القائمة، ولكنها ليست مجدية لانطلاق مشاريع جديدة، علماً أن إجراءات القروض والحدّ الأعلى بحاجة لمتابعة دورية وتعديل بما يتناسق مع نسبة التضخم وتكاليف الإنتاج.
ويعدّد الصناعي طيفور أمثلة كصيغة صحية لتنمية المشاريع الصغيرة، حتى يمكن تعميم التجربة على عدة وزارات، منها تخصيص أراضٍ لوزارة الزراعة بكل مدينة وقرية وتقسيمها إلى مقاسم للاستثمار بصيغة التشاركية بالإنتاج وتقديم الدعم اللازم لمستلزمات الزراعة تحت إشراف فني ومراقبة جودة وتحديد مسبق لنوع الإنتاج حسب الخطة الزراعية والمناخ للمنطقة، كما لا بدّ من عودة قانون الإصلاح الزراعي المجمّد وتوزيع أراضٍ للإيجار ١٥ سنة تنتهي بالفراغ، ما يساهم بتوسعة الرقعة الزراعية العامة، وتحويل الإنتاج بشكل تلقائي إلى مواد أولية ذاتية للمشاريع الصغيرة، وكصناعة يجب أن يكون هناك تخصيص أرض لوزارة الصناعة يتمّ عليها بناء مجمعات صناعية وتقسيمها إلى مقاسم للاستثمار بصيغة التشاركية بالإنتاج، وتقديم مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية وتحويلها إلى ورشات ومتعهدين ومورّدين للقطاع العام بكافة القطاعات، تحت إشراف فني ومراقبة للجودة.
بدورها الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب اعتبرت أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة كبرنامج متكامل هي عصب الاقتصاد اليوم، خاصة وأنها المشاريع الأكثر استقطاباً للأيدي العاملة، والأقدر على خلق فرص عمل، والأهم من ذلك اعتمادها على مكونات محلية، وليس على الاستيراد في صنع المنتجات، حيث بهذه الحالة يكون هناك منتج محلي وقيمة مضافة في الاقتصاد، في وقت استطاعت هذه المشروعات أن تحقق دخلاً للفئات الأقل عائدة مالية، وتخفيف العبء عن الحكومة بالمطالبات المستمرة من الخدمات والدعم لتكون أحد مفاتيح الصمود السوري، ولكي تصبح هذه المشروعات فاعلة يجب أن تكون جزءاً من الاقتصاد ككل، بحيث تكون مخرجاتها جزءاً من مدخلات الإنتاج.
وبيّنت سيروب أن وزارة الاقتصاد عبر هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد أصدرت دليلاً لتصنيف المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، وتمّ تصنيف المشروعات في سورية حسب القطاعات المختلفة من الزراعي والصناعي والخدمي والتجاري، وحسب عدد العمالة ورأس المال، وهذا النوع من المشاريع المتناهية الصغر يصل رأس ماله حالياً إلى 50 مليون ليرة، لكن بهذا التضخم المرتفع لا يمكن أن نقول إنه ذو رأس مال كبير، وهو أقلّ من المشروعات الأكبر، كالمتوسطة التي تتراوح بين 4 مليارات و32 مليار ليرة.
وأشارت الباحثة والمحلّلة الاقتصادية سيروب إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لها تشريعاتها وقوانينها، ونحن في سورية بحاجة لوضع خارطة استثمارية لها، لكن على خلاف ما يتمّ إعداده في هيئة الاستثمار السورية، يجب أن ننطلق من الإدارات المحلية لكل منطقة ومحافظة وبلدة، مشيرة إلى ضرورة وضع نوعية مشروعات تناسب المجتمع المحلي، وبالتالي وضع خارطة استثمارية تنطلق من المجتمع، وأهم نقطة يجب اتخاذها إدراج المشروعات ضمن الاقتصاد الرسمي، خاصة وأنها باتت تشكل رافداً لسوق العمل بمئات الآلاف من فرص العمل، وهذا ما كان واضحاً في سوق العمل الذي كان يدخله قبل سنوات 350 ألفاً من الباحثين عن فرصة عمل، ليكون هناك انخفاض بقوة العمل بالمقارنة منذ العام 2017 إلى الآن، وذلك تجلّى من خلال تبيان أن نسبة 270 ألف فرصة عمل لم يتم البحث عنها، حيث بلغت نسبة التسرب الأساسية في العمل 75 بالمئة تحت مسمّى هجرة الأدمغة والشباب وأغلبهم من حملة الجامعات والمعاهد.