دراساتصحيفة البعث

أيديولوجية الانتخابات الرئاسية الأمريكية

ريا خوري 

لم يتوقف نشاط عدد كبير من المنظمات وجماعات الضغط الصهيونية عن الترويج لدور الكيان الصهيوني “المهمّ” بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن ذلك النشاط جاء متزامناً مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، إذ يصبح الكيان الصهيوني لاعباً رئيسياً في فلك السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في دعم الكيان سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً ولوجستياً، خاصة وأن أعضاء تلك المنظمات والجماعات نشطاء في معظم الحركات السياسية، ولهم نفوذهم القويّ والكبير في الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ما يعني تزايد قوتهم الانتخابية وسطوتهم وتأثيرهم على صناعة القرار السياسي المؤيّد للكيان.

ولطالما عمل اللوبي الصهيوني “إيباك” لجعل الولايات المتحدة منحازة دوماً لـ “إسرائيل”، من خلال الإشارة إلى أنها ذات موقع استراتيجي مهمّ بالنسبة للولايات المتحدة، والادّعاء بأنها تكاد تشكّل الحليف الفعلي الأوحد لها في منطقة الشرق الأوسط، لا بل والحليف الذي يوفر الحماية للمصالح الأمريكية! وهو ما أكد عليه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو خلال الخطاب الأخير الذي قدّمه في الكونغرس الأمريكي.

وفي وقت يشهد الرأي العام الأمريكي تحولات كبيرة وجريئة لافتة تجاه القضية الفلسطينية، وتراجع نسب التأييد للكيان الصهيوني عند شرائح لها ثقلها السياسي داخل وخارج الحزب الديمقراطي بشكلٍ ملحوظ، وخاصة في أوساط القوى التقدمية والشباب والأقليات العرقية، تتزايد نسب الدعم للكيان الصهيوني داخل الحزب الجمهوري، مع تصاعد نفوذ التيار المسيحي الصهيوني الذي يمثّل قطاعاً واسعاً من أنصار ذلك الحزب، كما يمثّل نحو ثلث الهيئة الناخبة في الولايات المتحدة الأمريكية، علماً أن المسيحيين الإنجيليين يشكّلون نحو أربعين بالمئة من الناخبين الجمهوريين.

الجدير بالذكر أنّ هذا التيار أصبح في العقود الخمسة الأخيرة أهم مناصر للكيان الصهيوني ولسياساته اليمينية المتشدّدة. وفي المقابل، يعمل اليمين الصهيوني المتشدّد، ومنذ سنوات على تعزيز الحلف السياسي والمالي والاقتصادي والأمني مع هذا التيار، الذي يشكّل المشروع الصهيوني جزءاً مهماً من إيمانهم وعقائدهم، والذي يدعم بسط سيادة اليهود وسيطرتهم على مدينة القدس والضفة الغربية وإعادة بناء ما يُسمّى بـ”هيكل سليمان”، ويسعى إلى مواءمة السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع نبوءات الكتاب المقدّس بشأن هذه “العودة المقدسة”، ودعم الكيان الصهيوني الغاصب كلاعب رئيسي فى لاهوت وأديان آخر الزمان.

وبما أنّ “وجود اليهود في الأرض المقدسة فلسطين هو أمر إلهي” عند هؤلاء المسيحيين المتصهينين، وهم المتطّهرون حسب مذكرة للملكيات البروتستانتية في أوروبا من أجل إعادة توطين اليهود في فلسطين، فإنّ أيّ حرب يقوم بها العدو الصهيوني هو بمثابة (مشيئة إلهية). وفي ضوء هذا المعتقد الملتوي، تُعتبر كلّ حروب الكيان الصهيوني مصيرية ومقدسة يجب دعمها مالياً وعسكرياً ولوجستياً، ولا يجب أن تخضع للقوانين الدولية والشرعية الدولية، وبالتالي فإنّ كلّ عملياتها العسكرية والأمنية والإستراتيجية واستيلائها على الأراضي في حروبها السابقة، وإبادتها الجماعية، وجرائمها ضد الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس مبرّرة، ويجب الدفاع عنها في المحافل السياسية والدولية ومنظمة الأمم المتحدة.

وهكذا، استفاد الكيان الصهيوني من دعم التيار المسيحي الصهيوني على أكثر من مستوى أهمها: الأول: الدعم السياسي، والثاني: الدعم المالي والعسكري واللوجستي، والثالث: تأييده في عدم التزامه بالقانون بالدولي والتهرّب من تبعاته واستحقاقاته. وليس سراً كون العقيدة البروتستانتية الأصولية (البيوريتانس)، التي اعتنقها غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتي تأثرت كثيراً باليهودية كدين، شكلت بيئة مناسبة لنمو هذا المنهج وانتشاره.

في العقود الخمسة الأخيرة، تحوّل الحزب الجمهوري إلى مناصر رئيسي لمصالح الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة، ونشأ تحالف عقائدي وأيديولوجي بين القوى اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو في الكيان الصهيوني من ناحية، وخاصة القوى المتنفذة من التيار الإنجيلي الصهيوني داخل الحزب الجمهوري الذي يتزعمه دونالد ترامب من ناحية أخرى. وعلى الرغم من أنّ مختلف تيارات الحزب الجمهوري تدعم الكيان الصهيوني ومنها تيار (المحافظين الجدد) وتيار الوسط، إلا أنه وبعد صعود ترامب إلى البيت الأبيض عام 2016 أصبح التيار المسيحي الإنجيلي المحافظ الأكثر تأثيراً داخل الحزب الجمهوري بشكلٍ عام وفيما يخصّ الكيان الصهيوني بشكلٍ خاص.

من الواضح أن المقابل الذي دفعه وسيدفعه المرشح ترامب -إذا ما فاز- سيغيّر بشكلٍ حاسم الواقع الراهن في الكيان الصهيوني، بتشجيع من التحالف اليميني المتشدّد، ليس في الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً في أمريكا اللاتينية، وغيرها من الدول، التي يؤثر فيها الصعود المستمر للجالية الإنجيلية المؤيدة للحركة الصهيونية وبالذات في السياسات الداعمة للكيان.