ثقافةصحيفة البعث

“فردة حلم” لا شيء كامل إلا الكوابيس

أمينة عباس

لم يبتعد رسام الكاريكاتور رائد خليل في تجربته المسرحية الأولى على صعيد الكتابة والإخراج عن فن الكاريكاتور الذي عُرِف وبرع به، بدءاً من العنوان الإشكالي الذي اختاره لمسرحيته “فردة حلم”، مروراً بالموضوعات التي قدّمها برؤيته الكاريكاتورية الساخرة، يقول: “الكاريكاتور هو الفن الأقرب إلى المسرح، ويتماهى معه في الكثير من التفاصيل، ويعبّر الاثنان عن حالة العبث والغروتسك الموجودة في حياتنا، وعن قدرتهما الكبيرة في تصوير السلبيات في حياتنا، الأول من خلال الريشة، والثاني بصرياً من خلال الخشبة، ويبقى عامل السخرية القاسم المشترك الأكبر بينهما”.

وحول موضوع المسرحية يضيف: “المسرحية مجموعة من اللوحات بقصة واحدة وحالات كاريكاتورية مجسّدة بصرياً قد يتفاعل معها الجمهور وقد لا يتفاعل، وقد يحبون الشخوص وقد لا يفعلون، فلكل شخص الذائقة الخاصة به، أما العنوان فهو يشير إلى أن هناك شيئاً منقوصاً في حياتنا، فكل شخص لديه أحلام يسعى لتحقيقها ويبحث عمّا يفتقده، لكن هذه الأحلام لا تتحقق دائماً، وقد حاولت نقل ذلك كاريكاتورياً إلى الخشبة، فجعلت الشخصيات تتحرك بكلّ انفعالاتها وحالاتها وسايكولوجياتها من أجل تسليط الضوء على الواقع، مع تأكيدي أنه ليس من مهمّة المسرح والفن والأدب تسليط الضوء على الوقائع في حياتنا، إنما خلقها ذهنياً عند المتلقي، لذلك كانت مهمّتي ككاتب ومخرج إيصال الفكرة إلى المتلقي عبر خلق خلخلة ذهنية لديه وليس فقط تسليط الضوء على تفاصيل معينة، كما كنت حريصاً كل الحرص كمخرج على تقديم شكل فني بسيط على مستوى الديكور والسينوغرافيا والاعتماد على قدرة الشخصية -الممثل- في توصيل الفكرة.

وأجمع الممثلون المشاركون في مسرحية “فردة حلم” على أن هذا النوع من المسرح الذي قدّمه رائد خليل شكل جديد في المسرح السوري، يقول الفنان غسان الدبس الذي أدّى الشخصية الأساسية في العرض: “مقولة المسرحية “لا شيء كامل لدينا إلا الكوابيس التي تأتينا كاملة، وهذا العمل له خصوصية معينة، فهو لوحة كاريكاتورية ضمن إطار المسرح، والعمل فيه يجب أن يكون مدروساً بشكل معيّن على صعيد التوجه والحوار ليكون مفهوماً، ومهمة الممثل فيه هي الاجتهاد لإكمال رسم اللوحة الكاريكاتورية التي سيسقطها المتلقي على حياته الخاصة”.

وبشخصية معاون الطبيب، أطلّ الفنان طلال محفوض في إحدى لوحات العرض، وهي شخصية تشبه بقية الشخصيات في المحتوى والمضمون الفكري والانكسارات وعدم تحقيق ولو جزء من الحلم، وهو لا يعدّ “فردة حلم” نصاً مسرحياً بمقوماته وعناصره المسرحية من حيث الحبكة واللغة والشخصيات، يقول: “هو شكل جديد في المسرح السوري من حيث التجسيد على الخشبة باعتماده على لوحات كاريكاتورية من نمط الكوميديا السوداء التي تسلّط الضوء على مواضيع مجتمعية تُعتبر من المواضيع الحساسة والمؤلمة وطرحها بطريقة يختلط فيها البكاء بالضحك، ويعتمد الممثل في هكذا عرض على أدواته كجسده وصوته وعواطفه وخياله وما إلى ذلك كي يقدّم شخصيته بشكل مؤثر، لذلك يجب عليه أن يكون على قدر من الاستعداد الجسدي والصوتي لإيصال روح ومشاعر الشخصية بشكل صادق وديناميكي، وأنوه بدور المخرج والكاتب رائد خليل في بلورة الشخصية التي أديتُها عبر النقاش المطول معه أثناء البروفات للوصول إلى صيغة نهائية لها”.

وترى الفنانة مادونا حنا أن نص “فردة حلم” ينتمي إلى السهل الممتنع، ويعتمد على الترميز الذي يتقنه المخرج كرسام كاريكاتوري، فحاول المؤاخاة بين الكاريكاتير والمسرح عبر اعتماده في العرض على لوحات كاريكاتورية ساخرة، تضيف: “ولا يخفى على أحد أن هذا الأسلوب يتطلّب من الممثلين الكثير من التركيز والتدقيق والبديهية ليتمكّن المتلقي من فهم تفاصيل العمل، ولا أنكر أنني في البداية شعرت بأن الشخصية بعيدة عني كلياً، لكن بعد قراءة النص أكثر من مرة ومحاولة تقريبها إليّ تارة واقترابي منها تارة أخرى تشكلت الصيغة النهائية لها كشخصية مركّبة تعيش مشاعر مختلفة”.

وعن طبيعة العلاقة الإبداعية التي كانت قائمة بينها وبين المخرج أثناء البروفات تقول حنا: “تعدّد وجهات النظر بين الكاتب والمخرج والممثل أمر وارد، وعبر النقاش والحوار يتمّ الوصول إلى الشكل النهائي المنسجم مع بقية الشخصيات، وقد ساعدنا كثيراً كممثلين في توضيح معالم الشخصيات أن المخرج هو نفسه الكاتب”.

وحقّقت المشاركة في هذه المسرحية للفنان جمال الدين زعير وهي التجربة المسرحية الثالثة له رغبة الخوض في نوع مسرحي جديد حيث يقول: “أتاحت لي المشاركة في المسرحية خوض تجربة التعامل مع شخصية جديدة عليّ في عمل يطرح قضية مهمّة من خلال تسليط الضوء على أولئك الأشخاص الذين يدّعون الثقافة وما أكثرهم في أيامنا هذه، وقد تعاملت مع الشخصية بحذر إلى حدّ ما حتى لا يعتقد أحد أنه المعنيّ بها لأنها في الأساس لا تتكلم عن أحد بل عن المستثقفين بالعموم، لذلك لم يكن الوصول إلى النتيجة النهائية لها بالأمر السهل”، ويختتم: “المسرحية شكل يجمع بين فن الكاريكاتور والمسرح، وهذا النوع من المسرح كما الأنواع المسرحية الأخرى يحقق النجاح بتكامل العناصر مجتمعة من نص وإخراج وتمثيل”.