من البحث عن الأشلاء إلى التوابيت الست
بشار محي الدين المحمد
يبدو أن الكيان الصهيوني دخل مراحل جديدة قد لا تسمح له كالعادة بالهروب إلى الأمام، فمشكلات الإخلاء والهروب للمستوطنين في شماله وجنوبه متواصلة وتتفاقم، بل تتجه نحو المزيد، ولا سيما مع إشعال العدو جبهة الضفة الغربية المحتلة، التي بالتأكيد سيسبب إخلاء المستوطنات التي تحيط بمدينة طول كرم لا محالة، مع التصعيد والقصف والاقتحام والتدمير الممارس ضد مخيمات الضفة.
الفشل يلف الكيان على مستويات عدة، فعلى المستوى السياسي نلحظ نتنياهو الذي ادعى أن الضغط العسكري سيعمل على “نجاح” تفاوضه على أسرى المستوطنين، أعادهم مقتولين إلى عائلاتهم، وفق سردية لم يقبلها حتى الإعلام الغربي، بالتزامن مع “حزن شديد” لـ بايدن الـ “متفائل” بالمفاوضات التي بفشلها الزائد بدأت تفتك حتى بمواطنيه من الأسرى.
وعلى المستوى العسكري لم يحقق جيش حرب العدو أياً من أهدافه حتى اللحظة، بل على العكس هو يثبت أن المقاومة الفلسطينية ندّ له، قادر على المناورة والتفاوض وتوجيه الضربات حتى اللحظة، ولا يمكنه إنكار تلك الحقيقة بأي شكل من أشكال التخفي خلف الأصابع الملطخة بدماء الأطفال والنساء.
أما المستوى الفاشل الثالث، فيكمن في الشارع الإسرائيلي الغاضب الذي فشل هو أيضاً في الضغط بالشكل المطلوب على المجرم نتنياهو، بسبب انقسام ذلك الشارع المتزايد وتخبط آرائه وآليات تعامله، وعدم قدرته على إقصاء المتطرفين.
لقد أعاد مشهد التوابيت الست للشارع الإسرائيلي مشهداً سابقاً قام فيه جنود الاحتلال بالبحث عن أشلاء زملائهم بين الركام قبل الانسحاب من هجوم بري لهم على غزة عام 2005، ويبدو أن هذه الصدمة ستسبب المزيد من التظاهرات والانقسامات ضمن هذا الشارع المهزوز المتآكل القيم ليضغط على حكومة التطرف والدمار التي ارتضى أن توصله نحو الهاوية المحتومة لهذا الكيان، ولكن بشكل أسرع، فنتنياهو الذي آثر قتل أسراه كرمى لتحقيق ما أسماه “النصر الاستراتيجي” بدأ الآن بدهس متظاهري تل أبيب واعتقالهم بالمئات، ولا سيما بعد دخول قطاعات الكيان في إضراب زاد من شلل الحركة والاقتصاد والنقل والبنوك، وله تبعات لن تكون خفيفة الوقع على الكيان المعتاش على جسور المساعدات التي يتسولها بطرق الخداع العديدة، بما فيها شيطنة الأونروا واعتبارها “منظمة إرهابية”.
إن كل هذا المشهد الجديد يتزامن مع سعير غضب في المنطقة لن يترك مجالاً سوى للاعتراف بحقيقة واحدة، وهي أن الكيان لا يجد حلاً لانسداد آفاقه على جميع مستوياتها سوى في توسيع الصراع، واللجوء إلى مزيد من الإبادة والتدمير أملاً في “وأد” القضية الفلسطينية، وهو ما لن يتحقق أبداً طالما هناك شعب فلسطيني متمسك بجقوقه الوطنية.