الشعر الفصيح سمة “بغداد تعانق الشام 3”
ملده شويكاني
ما جئتُ راجياً قربها طمعاً
إلا بحضن واسع كرم
هكذا رحب الشاعر والقاص العراقي صالح الكندي رئيس المهرجان الشعري السنوي الثالث “بغداد تعانق الشام” بضيوف المنتدى الثقافي العراقي من شعراء عراقيين وسوريين، تلاقوا جميعاً على دفء العلاقة الوطيدة الثقافية والفكرية والعروبية التي تربط بين بغداد ودمشق.
وأشار الكندي إلى أن المهرجان مبادرة حبّ وإكبار لسورية التي خرجت من سنوات الحرب الإرهابية منتصرة وتواجه بصمود تبعات الحرب، فالشعر بلسم لجراح الوطن يرسم بسمة على الوجوه المتعبة.
وحفل المهرجان بقراءات شعرية متعدّدة تغنّت بالشام وبغداد وبالفرات ودجلة، كما تطرقت إلى غزة والقدس، ولم يغب الغزل والشعر الوجداني الذي ينسحب إلى شيء من الذاتية، بالإضافة إلى فقرات للموسيقا الآلية بمشاركة الكمان والأورغ والعود.
قدّمت المهرجان الشاعرة روّد مرزوقي التي شاركت بقصيدة للشام وبغداد:
يا شام نور صبحك ومساك
قبلتُ ترباً باركته خطاك
بغداد كل محبة في عمرنا
والقلب عاش متيماً بهواك
وبإدارة الشاعر السوري صالح الحلبي الذي اشتُهر بكتابة الشعر العمودي والشعبي والغنائي.
وكرّم صالح الكندي وصالح الحلبي ومنى هيلانة أمين سر مكتب قيادة قطر العراق ضيف المهرجان نقيب الفنانين السابق- فرع البصرة محمد وهيب النعيمي الأستاذ الأكاديمي والفنان المخرج المسرحي العراقي، كما كُرّم الشعراء المشاركين وبعض الإعلاميين.
وتوقفت “البعث” مع الشاعر صالح الحلبي مدير المهرجان الذي أكد أن “ما يربط العراق بسورية أكبر بكثير مما يربط سورية ببلد آخر، والمهرجان الشعري السنوي الذي يقام في الثاني من أيلول في كل عام من دمشق، وشعاره “بغداد تعانق الشام” يحمل الكثير من الحب والاحترام، وهو صلة وصل وتثبيت للشعبين بأننا كنّا وسنبقى أشقاء، وتمّ اختيار القصائد المشاركة كاملة من الشعر الفصيح”.
كما تابعت “البعث” مع المشاركين ومنهم الشاعر والروائي السوري مخلوف مخلوف، الذي نوّه بأنّ المشاركة بالمهرجان هي “إعلان على التزامنا بكل ما هو جميل، والشعر لغة الجمال والحياة والحب وكل الأشياء الجميلة”.
أما الشاعر والكاتب والباحث العلمي العراقي الدكتور باقر الربيعي فقال: “واجب الشعراء في هذه المرحلة الحساسة أن يجسروا الهوة بين الشعوب، فنحن شعب عربي واحد، يوحّدنا التاريخ واللغة والتراث على الرغم من كل الفروقات البسيطة، وعلى الشعراء أن يستشعروا مواضع الخلل وينقلوها إلى قصائدهم للبحث عن حلول، ومن زاوية أخرى أنا متأثر بمظفر النواب الذي وضع أسس التكامل بين البلدين، وأنا أسير على نهجه بقصائدي”.
وخصّ الشاعر السوري جمال أبو الشملات العلاقة بين البلدين بقصيدة قصيرة “عناق الشام من بغداد حبّ”، وأوضح أن التواصل بين الشعراء العراقيين والسوريين يعبّر عن الإحساس الفكري والعروبة ويؤدي إلى تلاقح الأفكار التي تنبت أشياء جديدة تفيد الأدب واللغة وتعزّز العلاقات الاجتماعية بين البلدين”.
بدورها، عبّرت الشاعرة السورية زوات حمدو باستعارات جميلة عن جمالية العلاقة الأخوية بين العراق وسورية، بالاتكاء على التاريخ القديم بقصيدتها العمودية المقفاة “سوارقيا”:
الياسمين أخو النخيل تعانقا
وتعهدا للناس بالأرزاق
هذا الوفاق اليعربي عقيدة
مرسومة في بؤبؤ الأحداق
كما قرأت الشاعرة السورية سارة خير بيك، قصيدة عمودية اقتبست فيها عنوان المهرجان بتضمين “بغداد تعانق دمشق”، ذكرت فيها التلاحم بين تاريخ المدن العراقية والسورية:
هنا أوغاريت أهدت أبجديتها
للعالمين وضوع الحرف أعطار
لكي تعانق في التاريخ بابلها
ومجد سومر كي تزدان أشعار
وتألقت أيضاً الشاعرة السورية رغد الحلبي التي خاطبت بقصيدتها أبطال غزة، وتغنّت بالقدس المقدسة:
أحرار غزة بالنضال رسائل
للعالمين بخيرهم نتوسم
أرض السماء قضية عربية
حق لها بدم العروبة يلزم
أما الشاعرة عروبة الباشا من سورية فتميزت قصيدتها العمودية بالحكم والتحذير والتنبيه وبالتناص الشعري، تقول:
لا تبتسم إن رأيت النجم متقدا
وإن لمحت شهاباً ضوءه ارتعدا
فيبدو التناص مع قول المتنبي:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
وحمل الشاعر مروان زين الدين تحية من أهالي جبل العرب إلى دمشق وبغداد، وتميّز شعره المقفى بجمالية التراكيب والمفردات، بقصيدته “وبي ود لعينيك العتاب”:
عتابي كيف تعذرهم وليل
بكى وبكاك أعياك احتراب
كأن الركب أوثقه نعيق
تفنّن في تموسقه الغُراب
وأغنت بقية القراءات المهرجان، إذ شارك أيضاً نور صالح الخطيب ومحمد قاقا ورغداء العلي وعتاب السعد وإيمان الصباغ، أما فقرات الموسيقا الآلية فتنوعت بين عزف الموسيقي عدنان الحايك عازف الكمان موسيقا مقتطفات من الزمن الجميل، منها قدك المياس، ولملحم بركات، منها “ما في ورد”، كما عزف الموسيقي عازف الأورغ بسام الطباع بمرافقة عازف العود فادي العبد الله أغنيات وطنية ولسعدون الجابر “عشرين سنة انقضت” و”يا بلدنا” لملحم بركات وغناها بصوته.
وختاماً مع منى هيلانة أمين سر مكتب قيادة قطر العراق التي قالت إنّ المهرجان من الفعاليات الثابتة في المنتدى الثقافي العراقي، الدالة على تجذر أصالة العلاقات الأخوية بين البلدين العراقي والسوري عبْر تاريخ طويل حافل بالثقافة والفكر والعروبة: “ونحرص فيه على اختيار شعراء متميزين بنتاجهم الأدبي، ومن خلال وسائل الإعلام نوصل رسالة إلى كل العالم بأن الثقافة المشتركة بين بغداد ودمشق لم تتوقف على الرغم من سنوات الحرب الإرهابية وتبعاتها، فالشعر ديوان العرب ينقل التحايا بين البلدين”.