بصيغة جديدة.. المفاوضات النووية الإيرانية
هيفاء علي
أسّس وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي نظاماً جديداً للأولويات في السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس مسعود بيزشكيان، وذلك في سياق مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء كيودو اليابانية في الثاني والعشرين من آب الماضي.
لفت عراقجي إلى أن وزارة الخارجية ستعمل على إدارة التوترات مع واشنطن، واستعادة العلاقات مع الدول الأوروبية، وهو ما سيكون خطوة حاسمة نحو رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني، وتطبيع التبادلات مع المجتمع الدولي. ودعا إلى مفاوضات جدية وهادفة ومحدّدة زمنياً، كما كشف أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ركز على مهمّتين: المهمّة الأولى هي تحييد العقوبات، وهو ما يجب على الحكومة بأكملها القيام به عندما قال إن هدفنا الأول هو تحييد العقوبات وتأثيرها على الشعب الإيراني. والثانية، هي توسيع نطاق الدبلوماسية إلى أفريقيا وشرق آسيا، والدول التي دعمت إيران في المواقف الصعبة.
لا شكّ أن إيران تقف عند مفترق طرق تاريخي في رحلتها الطويلة والصعبة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ولا يخطئن أحد، فإن ما يسمع من طهران هو أن المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة هي الأولوية الأولى للحصول على تخفيف العقوبات الغربية، وهو أمر ضروري لتسريع عجلة الاقتصاد، ويشكل ركيزة السياسة الوطنية الإيرانية، بينما يراقب جيران إيران الوضع عن كثب حيث منطقة الشرق الأوسط على أعتاب التغيير.
وبحسب محلّلين، يجب هنا تحديد شكل المحادثات، إذ ليس هناك شك في أن القوى الغربية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لن ترغب في صيغة خطة العمل الشاملة المشتركة التي تشمل روسيا، فالصراع الأوكراني هو واقع جيوسياسي تسبّب في انهيار العلاقات بين الغرب وروسيا، وربما تكون القوى الغربية منفتحة على فكرة إشراك الصين، كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نظراً للعلاقات الثنائية الوطيدة بين الصين وإيران.
والواقع أن إدارة بايدن تعمل على إعادة التوازن إلى “المنافسة” بين الولايات المتحدة والصين بهدف الحدّ من التوترات، وقد وُصفت الزيارة التي قام بها جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي إلى بكين، واستغرقت ثلاثة أيام، ومشاوراته المتعمّقة التي استمرت أربع عشرة ساعة مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي، بأنها “شاملة وصريحة وموضوعية وبناءة”.
وفي خطوة استثنائية، رتّب الجانب الصيني لقاء لـ سوليفان مع أحد نواب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، الجنرال تشانغ يوشيا، نائب شي، واتفقت الولايات المتحدة والصين على العمل بشأن مكالمة هاتفية بين شي وبايدن في الأسابيع المقبلة، وقال سوليفان إن الاثنين يمكن أن يلتقيا شخصياً في قمم التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ أو مجموعة العشرين، في وقت لاحق من العام الجاري.
وبالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، تتفق طهران وواشنطن على أنه لا يمكن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 ولم يعد ذا صلة، وهذا يعني الاتفاق على شكل جديد للمفاوضات وأجندة جديدة، مع دخول النرويج على الخط، حيث تلقى الرئيس الإيراني بيزنكشيان مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء النرويجي جوناس جار ستور تمحورت حول الملف النووي الإيراني وأزمة الشرق الأوسط.
والنرويج دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وتتمتّع بأوراق اعتماد قوية كوسيط في التفاوض على النزاعات الدولية الحساسة، وهي واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة وأكثرهم ثقة. وفي هذا السياق العام، لا بدّ من تسليط الضوء على عودة وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف إلى الساحة الدبلوماسية، حيث سيتولّى منصب نائب الرئيس المسؤول عن الشؤون الإستراتيجية داخل الحكومة الجديدة، وكان عراقجي نائب ظريف كمفاوض نووي في إدارة حسن روحاني.
بمعنى آخر، لقد عاد الفريق إلى المسار الصحيح ويتمتّع كلاهما بسمعة ممتازة في العواصم الغربية، ويتمتّع ظريف على وجه الخصوص باتصالات واسعة النطاق مع نخبة دائرة السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك مؤسسات الفكر والرأي وصنّاع الرأي.