دراساتصحيفة البعث

وحوش التاريخ تتحدى الحقيقة والعدالة والقيم الإنسانية

عناية ناصر

انتهى السيناريو الإسرائيلي الأمريكي الخادع لوقف إطلاق النار في القاهرة دون التوصل إلى أي نتيجة مرضية، ولم يكن هناك أي جديد سوى إضاعة الوقت والفرص لعودة الحياة الطبيعية والضرورات الإنسانية للسماح لشعب غزة بتنفّس الأكسجين، بينما يستمر القصف واستهداف المدنيين بلا توقف، حيث لم تتجرأ “الدمى” الاستبدادية للولايات المتحدة على مساءلة السيد الأمريكي عن وصمة العار التي تلحق بالحرب، وأهدافها النهائية المتمثلة في الهيمنة على العالم العربي.

إن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تتحركان حول كلّ المستنقعات، وتقومان بتزوير الحقائق لضمان استمرار قتل شعب غزة تحت ذريعة كاذبة هي الإرهاب والسماح بإقامة مستوطنات جديدة من قبل المستوطنين لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ووضع حلّ نهائي لقضية تحرير فلسطين.

لقد ادّعت كل وحوش التاريخ حسن النوايا وطموحات عادلة، ولكنها ألحقت الرعب والموت والدمار ببني البشر الآخرين لتحقيق طموحات فردية في السلطة والمجد. لقد منح الكونغرس الأمريكي شرفاً سياسياً غير لائق لرئيس الوزراء نتنياهو الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية في غزة، فهل يمتلك الكونغرس الأمريكي بياناً للقيم الإنسانية والأخلاقية والسياسية؟.

يوضح فيليب جيرالدي ضابط المخابرات السابق، والمدير التنفيذي لمجلس مجلة “ناشيونال انترست” في مقال “مجرم الحرب بنيامين نتنياهو يلقي كلمة أمام الكونغرس الأمريكي” (في 26/7/2024) أن عرض نتنياهو في قاعة مجلس النواب اليوم هو الأسوأ على الإطلاق لأي شخصية أجنبية مدعوة ومكرمة بامتياز مخاطبة الكونغرس الأمريكي. لقد زعم نتنياهو أن حركة “حماس” اغتصبت النساء وأحرقت الأطفال أحياء،ً لكن جيرالدي يرى أنها حيلة دعائية كاذبة لكسب دعم الولايات المتحدة للاستمرار في الحرب ضد الشعب الفلسطيني ويوضح: الحقيقة هي أن اليهود هم الذين يستهدفون الفلسطينيين بأعداد كبيرة باستخدام الأسلحة التي تزوّدهم بها أمريكا.

وتقدّر مجلة “لانسيت” الطبية البريطانية المرموقة أن “إسرائيل” استهدفت بالفعل أكثر من 86 ألف فلسطيني منذ تشرين الأول الماضي، ولا يزال معظمهم مدفونين تحت أنقاض منازلهم، ولكن بالنسبة لنتنياهو فإن حياة اليهود فقط هي التي تهمّ. لكن من الأفضل لنتنياهو أن يقرأ القانون الجديد الذي أقرّه الكنيست مؤخراً والذي يرفض بشكل تام فكرة إعلان دولة فلسطينية ذات سيادة من جانب واحد جنباً إلى جنب مع “إسرائيل”، مؤكداً أن نوايا “إسرائيل” لا تشمل العيش في سلام مع جيرانها.

إسرائيل وأمريكا لن تتوقفا عند غزة

لقد دمرت “إسرائيل” غزة والضفة الغربية على مدى عشرة أشهر من خلال حربها الوحشية المستمرة وقصف البنى التحتية المدنية، ولم يكن لدى الكثير من الزعماء والقادة أي عقل أو حكمة أو شجاعة لتحدي “إسرائيل”، بسبب هجومها المخطّط والممنهج على الشعب الفلسطيني.

لقد جعلت الحرب على غزة بالتواطؤ بين أمريكا و”إسرائيل” وعواقبها المباشرة، العالم الغربي وكلّ مؤسساته عديمة القيمة وباطلة بشكل مخزٍ في معايير القرن الحادي والعشرين العالمية للتحضر وحقوق الإنسان والحرية والعدالة وسلامة المدنيين، في حين يتمّ تسجيل الجرائم ضد الإنسانية في دوافع غامضة، وتردّد وتقاعس متعمّد من قبل مجلس الأمن.

أعداء الإنسانية والسلام

لقد ألقت “إسرائيل” حتى الآن أكثر من 70 ألف طن من القنابل على غزة أكثر مما ألقي على هيروشيما وناغازاكي خلال الحرب العالمية الثانية. ربما لا يؤمن القادة الإسرائيليون والأمريكيون بالحياة والموت والمساءلة عن كلّ تصرفاتهم.

إن الأرض ليست ملكاً للولايات المتحدة أو “إسرائيل”، بل هي مركز إلهي للحياة البشرية والبقاء والثقة، وأولئك الذين يقصفونها ويدمرونها مرضى عقليون ويتحدون الحقيقة الإلهية، ويبدو الأمر كما لو أن القادة الأمريكيين والإسرائيليين لا يؤمنون بالحياة والموت والمساءلة.

حرب ضد الفلسطينيين

إن الضربات الإسرائيلية تتزايد بمعدل كبير، وكثير منها وفقاً للنظام المسمّى “حسبورا” أو “الإنجيل”، والذي تمّ إنشاؤه على الذكاء الاصطناعي الذي يختار 100 هدف يومياً. ووصف سبعة مسؤولين استخباراتيين إسرائيليين حاليين وسابقين نظام الذكاء الاصطناعي في مقال لـ يوفال أبراهام على المواقع الإسرائيلية +972 Magazine وLocal Call، بأنه يسهل “مصنع اغتيالات جماعية”، حيث تقوم “إسرائيل”، بمجرد تحديد موقع ما عن طريق هاتف محمول، يُعتقد أنه على صلة بالمقاومة الفلسطينية، بقصف منطقة واسعة حول الهدف بالقنابل والقذائف، مما يؤدي إلى سقوط وجرح العشرات، وفي بعض الأحيان مئات الفلسطينيين.

إن “إسرائيل” تنفّذ سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، ويظهر ذلك بشكل جليّ من خلال التفاصيل التي قدّمها المخبرون الإسرائيليون عن تنفيذ هذه الجرائم ضد الإنسانية، وكيف يتمّ تبريرها داخلياً داخل المستويات العسكرية والسياسية في “إسرائيل”، وفي ظل صمت مطبق من قبل المجتمع الدولي العاجز عن اتخاذ أية خطوات ملموسة لإيقاف هذه الفظائع التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني بشكل يومي.