الإعلام الوطني والمقاوم والتحديات الراهنة
د خلف المفتاح
ثمة تحديات تواجهها وسائل الإعلام بشكل عام، ووسائل إعلامنا الوطني السوري بشكل خاص، ويمكن إدراج هذه التحديات في عدة مستويات، منها تحديات ذات طبيعة عامة، وأخرى ذات طبيعة خاصة، وبشكل عام يبرز التحدي الأهم أمام أية وسيلة إعلامية في قدرتها على الانتشار ضمن حيز واسع من المشاهدين والقراء وغيرهم وكذلك -وهو الأهم – إمكانية إحداث تأثير في مواقفهم وسلوكهم وتوجهاتهم وفقاً لسياسة الوسيلة الإعلامية وأهدافها وغاياتها ومهنيتها ومصداقيتها وسلطة خطابها، أي التأثير في الجمهور المستهدف سواء كان محلياً أو عابراً للحدود.
وهنا تبرز مجموعة من العناصر التي يمكنها أن تؤدي ذلك الدور منها ما هو متعلق بالإمكانات التقانية الحديثة، والقدرة على الانتشار ضمن حيز فضائي كوني واسع، إضافة للكادر المؤهل تأهيلا عالياً الذي يمتلك مهارات التواصل، إضافة لمضمون وطبيعة الخطاب المراد توطينه، أو ترويجه في الوسط المستهدف، أو المنظومة الأخلاقية والثقافية التي تشكل بالنتيجة رأياً عاماً وموقفاً سلوكياً أو وعياً محدداً.
إن القدرة على الوصول إلى الجمهور المستهدف لم تعد قضية معقدة، بسبب توفر وسائل الإعلام العابرة لكل الحدود والعولمة الإعلامية التي باتت تغزو الفضاء العالمي بدون حدود، ولكن المشكلة والتحدي الأبرز تتمثل في قدرة وسائل الإعلام على اكتساب ثقة الجمهور، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية، وهذا ما لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال مسار صعب وقاس يرتكز إلى ركون وسيلة الإعلام تلك إلى درجة من الحقيقة والمصداقية والمهنية والسرعة في تقديم الحدث، أو إبرازه دونما خداع أو تضليل للجمهور الذي سرعان ما يشيح بنظره عن متابعة الوسيلة الإعلامية تلك عندما يكتشف كذبها وتضليلها لسبب بسيط، وهو تعدد وتنوع وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وانتماءاتها الفكرية والعقائدية وأجندتها السياسية، إضافة للخط التحريري لأية وسيلة إعلامية مهما حاولت ادعائه من موضوعية ومهنية.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه، ونحن بصدد التحديات التي تواجه الإعلام الوطني، هو التركيز على مسألة تبدو في غاية الأهمية وهي تحديد الإستراتيجية الإعلامية الوطنية التي تسعى وسائل الإعلام لعرضها وتقديمها، ومدى ارتباطها بالمجتمع أولوياته وحاجاته، إضافة إلى القضايا الوطنية التي تعمل وسائل الإعلام لإبرازها والدفاع عنها، وتشكيل حالة وعي ورأي عام حولها.
وهنا تبدو المسألة في ظل الأزمة في سورية ذات بعدين داخلي وخارجي، ما يبرز التحدي الأهم وهو القدرة على التأثير في أوساط الرأي العام الإقليمي والعربي تحديداً في فهم طبيعة الأزمة وأبعادها الإقليمية والدولية، ودور القوى الإقليمية والدولية في مساراتها وأبعادها إضافة إلى كشف وتعرية دور وسائل الإعلام التضليلي والتحريضي في تقديم الحدث السوري بشكل مشوه وكاذب ومعكوس، ما أثر بشكل سلبي في أوساط الرأي العام العربي والدولي وحتى على المستوى الداخلي، إضافة إلى انعكاس ذلك على مواقف بعض الدول والمنظمات الدولية من الأحداث في سورية.
لقد أبرزت الأزمة في سورية ما جرى ويجري في غزة ودور وسائل الإعلام في تسويق الروايات المتعلقة فيها، سواء الرواية الإسرائيلية أو رواية المقاومة، والقدرة على نقل الصورة الحقيقية وإحداث الموقف المطلوب في الرأي العام المحلي والعالمي من مواقف ضاغطة على المستوى السياسي، لجهة سلطة وتأثير المحتوى، وما لذلك من أهمية كبيرة على عناصر الصراع، ولاسيما تشكيل اصطفاف عابر للحدود يتعلق بالأزمة.
كل هذا يبرز أهمية إقامة منظومات إعلامية مقاومة ذات طابع إقليمي، إن لم نقل دولي لمواجهة تحديات إعلامية بهكذا مستوى من الاستهداف الممنهج والمخطط في مواجهة منظومات إعلامية عريقة ومؤثرة وفاعلة بحكم إمكاناتها وخبرتها وتقانتها، ورصيدها وعائديتها لقوى كبرى ومراكز استخبارات عالمية استفردت في قضية بدت للوهلة الأولى محلية محدودة التأثير والتأثر لتمعن في تضليلها وخداعها في جمهور راح في غالبيته ضحية لا اخلاقيتها وكذبها وفبركتها ليكتشف لاحقاً شيئاً من الحقيقة، وربما بعد فوات الأوان، إضافة لحقيقة أن الإمبراطورية الأمريكية، وان كانت قد تراجعت سياسياً واقتصادياً، إلا أنها كانت ولا زالت القطب الإعلامي الأوحد عالمياً بحكم امتلاكها وسيطرتها على أكبر شبكات الإعلام العالمية، ما يعني أنها تتحكم بشكل كبير ببث وصناعة وإنتاج وتسويق أي حدث دولي، وبما يخدم أجندتها ومصالحها.
لقد وجد الإعلام الوطني السوري على محدودية إمكاناته، قياساً بمنظومات إعلامية دولية وماكينة إعلامية هائلة، نفسه فجأة في مواجهة غير متكافئة مع آلة إعلامية جبارة حاقدة ومرتهنة لعبت دوراً وظيفياً في الأزمة، وشكلت بعداً أساسياً في مساراتها، بل ونتائجها على الجغرافية السورية وخارجها، ومع كل هذا قبل التحدي معتمداً على كوادر وطنية انطلقت من انتمائها لوطنها ومهنيتها وحرفيتها وثقتها بأنها تدافع عن أرضها وشعبها وكرامة أهلها، فانتصر لقضيتها منطلقاً من مبدأ أن خيار المقاومين هو القتال بالرصاصة والكلمة والموقف حتى النهاية، ومهما كانت النتيجة على الأرض.
ولا شك انه نجح في مواقع ومواقف وأخفق في أخرى، ولكنه كان دائماً وفي كل ظروف الحرب على سورية مسكوناً بالثقة بالانتصار. من هنا يمكننا القول أن امتلاك المعلومة الصحيحة والسرعة في نقل الصورة، وامتلاك تقانة عالية وكادر مؤهل، كل ذلك يشكل أساساً لإعلام ناجح وفاعل ومؤثر ويملك قاعدة واسعة من المتابعين والمتفاعلين مع محتواه .