دراساتصحيفة البعث

خطة نووية سرية أمريكية مليئة بالجنون

عائدة أسعد

إن موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن في آذار الماضي على إستراتيجية نووية سرية للغاية تهدف إلى “مواجهة” ما تصفه بـ “التهديد الصيني”، والتي كشف عنها لأول مرة ديفيد سانجر من صحيفة “نيويورك تايمز” في 20 آب الماضي، هي عمل استفزازي مجنون وتهديد للسلام العالمي.

كما أن هدف التوجيهات المتعلقة بالتوظيف النووي هو إعداد الولايات المتحدة للتحديات النووية المنسقة المحتملة من الصين وروسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، لكن حسب المحللين السياسيين فإن مثل هذا الافتراض سخيف بالنظر إلى سياسة الصين طويلة الأمد المتمثلة في عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية، والردع الأدنى.

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في حزيران الماضي، تمتلك كل من الولايات المتحدة وروسيا أكثر من 1770 رأساً نووياً منتشراً، ويتجاوز مخزونهما النووي 5000 رأس، وهو ما يمثل 90% من إجمالي المخزون العالمي.

ومن الصعب تصديق أنه حتى بعد ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة، ترفض الولايات المتحدة خفض ترسانتها النووية بشكل كبير، وهي تستمر في تشكيل تهديد خطير لوجود البشر.

إن نية الولايات المتحدة واضحة: الحفاظ على تفوقها النووي من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية ولتحقيق هذا الهدف، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في عام 2002 وانسحبت من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى في عام 2019 وقبل ذلك بعام واحد، في عام 2018 على وجه التحديد، انسحبت أيضاً من الاتفاق النووي مع إيران، الذي تفاوضت عليه إدارة باراك أوباما عندما كان بايدن نائباً للرئيس.

وأما بايدن فقد تعهد خلال حملته الانتخابية في عام 2020 بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ولكن بمجرد دخوله المكتب البيضاوي، نسي كل شيء عنه, ووصف بعض قادة الرأي الديمقراطيين وعد بايدن أو رفضه الوفاء به بأنه “خطأ غير متعمد”، وقد أثارت مثل هذه التصرفات غير المسؤولة من جانب الولايات المتحدة مخاوف واسعة النطاق بين العديد من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا.

في عام 2011، قصفت قوات حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة ليبيا، وحرضت على تغيير النظام فيها من خلال إساءة استخدام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن منطقة حظر الطيران، وقد حدث ذلك أيضاً عندما كان بايدن نائباً للرئيس، وكان لذلك تأثير مخيف على دول مثل جمهورية كوريا الديمقراطية التي كانت قلقة لفترة طويلة بشأن العدوان العسكري الأمريكي، وخاصة لأنها ترى مئات القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمثابة تهديد مباشر لها.

ذات مرة تم توجيه سؤال إلى مسؤول أميركي كبير، كان جزءاً من الفريق الأميركي الذي شارك في محادثات منع الانتشار في تسعينيات القرن العشرين، عما إذا كان يستطيع أن يفكر في سيناريو تستخدم فيه الولايات المتحدة الأسلحة النووية، وكانت إجابته “لا” على الفور، لكن يبدو أن بايدن يعتقد أن إبادة البشر جميعاً لا تزال ممكنة.

لقد تم تضخيم نظرية “التهديد الصيني” من قبل واشنطن وعملائها في محاولة لتبرير الميزانية العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، والتي بلغت 916 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يزيد عن مجموع ميزانيات الدفاع في الدول العشر التالية، أو أكثر من ثلاثة أضعاف ميزانية الصين.

ومن المرجح أن تؤدي إرشادات التوظيف النووي إلى إشعال سباق تسلح عالمي، وقد يدفع ذلك الصين أيضاً إلى تعزيز إستراتيجية الردع الأدنى لمنع الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي من ابتزازها أو ابتزاز أي دولة أخرى بالتهديد بشن حرب نووية.

تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2010، بادر أوباما بعقد قمة الأمن النووي، التي أقرها القادة الصينيون آنذاك، لكن بايدن كان مشغولاً بتقسيم العالم بدلاً من توحيده ضد الإرهاب النووي والانتشار النووي.

لقد أصبح موضوع الحرب والسلام موضوعاً رئيسياً للنقاش في السباق الرئاسي الأمريكي، كما يتضح من خطابات سياسيين مثل جيل شتاين، وروبرت كينيدي جونيور، وتولسي غابارد، لذلك يجب على المجتمع الدولي الضغط على الولايات المتحدة لتقليص ترسانتها النووية، والتعهد بعدم الاستخدام الأول، ويجب على المجتمع الدولي أيضاً أن يتخلى عن إستراتيجية بايدن النووية الجديدة التي تهدد بالحرب.