دراساتصحيفة البعث

متى ينتهج الاتحاد الأوروبي وجهة نظر عقلانية؟

عائدة أسعد

حذا الاتحاد الأوروبي حذو واشنطن في العمل على نزع الصفة الصينية عن اقتصاده وصناعاته بعد تجميد اتفاقية استثمارية صعبة التفاوض بين الاتحاد الأوروبي والصين قبل ثلاث سنوات.

وعزّزت الكتلة باستمرار الحاجة إلى الحدّ من اعتمادها الاقتصادي المزعوم على الصين، فضلاً عن قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالصين، وتبنّت نهجاً تدخلياً متزايداً تجاه جوار الصين وقضية تايوان، حتى مع الاعتراف بأن الأخيرة هي شأن داخلي للصين.

كما ردّد البعض في الاتحاد الأوروبي ترهيب واشنطن بأن الصين تشكل “تهديداً استراتيجياً” لأوروبا، مستشهداً بعلاقاتها مع روسيا، ولكن هذه الأصوات تلتزم الصمت المدروس إزاء الدول الأخرى التي احتفظت بعلاقات تجارية طبيعية مع روسيا، مثل الهند، فضلاً عن حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الوحيد من أزمة أوكرانيا، اقتصادياً وجيوسياسياً على حساب الاتحاد الأوروبي.

ولكن حتى هؤلاء الساسة الأوروبيون الذين يهاجمون الصين لا يستطيعون أن ينكروا أن الصين لم تتخذ زمام المبادرة للإضرار بمصالح الاتحاد الأوروبي، حيث إن التحركات المحدودة التي اتخذتها حتى الآن في استهداف الاتحاد الأوروبي كانت بمثابة تدابير مضادة ضد التحركات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي.

ولا يستطيع المعارضون للصين أن يزعموا أن أغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد صدّقت الموقف المناهض للصين الذي روّجوا له بشق الأنفس على مدى السنوات الثلاث الماضية، فقد حافظت أغلب الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا، على علاقات مستقرة ومثمرة وقنوات اتصال مفتوحة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وعلى هذا النحو، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن يذكّر الدبلوماسي الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الكتلة بضرورة تطوير تصور عقلاني بشأن الصين، وسط مخاوف واسعة النطاق من أن ينزلق الاتحاد الأوروبي إلى حرب تجارية إذا اتبع قيادة الولايات المتحدة بشكل أعمى.

وفي حديث له مؤخراً في إسبانيا، قال بوريل: “يجب ألا نكون ساذجين”، وحثّ الاتحاد الأوروبي على دعم استقلاليته الإستراتيجية في التعامل مع الصين، نظراً لتجاهل الولايات المتحدة لمصالح الاتحاد الأوروبي.

كما قال: “إنهم [الولايات المتحدة] لا يسألوننا متى يحظرون استيراد السيارات الصينية، ولن يسألونا إلى أين تذهب هذه السيارات الصينية إذا لم تكن متجهة إلى الولايات المتحدة… أنا متأكد من أنها ستذهب إلى السوق الأوروبية، وهذا يولد قضية تنافسية مع صناعتنا”.

وأصرّ بوريل على أنه ليس لدى الكتلة مصلحة في احتواء صعود الصين، وقال إنها لا تستطيع الشروع في مواجهة منهجية مع الصين، وأنه لا ينبغي لأوروبا أن تعارض صعود الصين، لأن صعودها حقيقة واقعة، فهي لا تبيع قمصاناً رخيصة فحسب، بل إنها في طليعة جميع التقنيات، على حدّ تعبيره، كما أن معارضة صعود الصين كقوة أمر مستحيل، فالصين قوة عظمى.

وعلى الرغم من أنه من المقرّر أن يتقاعد بوريل في تشرين الأول القادم، مع ترشيح كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا، لخلافته، فإن هذه الملاحظات يجب أن تستمر في صدى دائرة صنع السياسات في الاتحاد الأوروبي لتنبيه الكتلة إلى خطر السماح لنفسها بالتضليل من قبل الولايات المتحدة وبالنسبة للاتحاد الأوروبي -كما يقول شعاره- فإن الطريق أمامه يتشعّب في اتجاهين، فاختياره هو بين الطريق الذي سيكون فيه مقسماً في الندرة أو الطريق الذي سيكون فيه متحداً في التنوع.

وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماو نينج فإن الصين تولي أهمية كبيرة للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، وتعتقد أن الجانبين يجب أن ينظرا إلى بعضهما البعض كشركاء، وليس متنافسين، ويجب أن يكون التعاون، وليس المنافسة، هو السمة المميزة للعلاقة،لأن الصين والاتحاد الأوروبي يدركان أن الاستقلالية هي القيمة الأساسية، وليس الاعتماد على الذات، وأن التعاون المربح للجانبين، وليس المواجهة، هو مستقبل الصين.

وما تجدر الإشارة إليه هو أنه يصادف العام المقبل الذكرى السنوية الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين الصين والاتحاد الأوروبي، وتقف الصين على أهبة الاستعداد للعمل مع الاتحاد الأوروبي لتعميق الاتصالات الإستراتيجية، وإجراء الحوار والتعاون، وتسوية الخلافات والاحتكاكات بشكل صحيح، والتأكد من أن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي ستصبح أكثر استقراراً وبناءةً ومن خلال البقاء كشركاء، والتي يمكنهما تحقيق المزيد من المنافع المتبادلة والمساهمة بشكل أكبر على المستوى العالمي.